اراء و أفكـار

التخويف الروسي من «حرب عالمية»

عبدالوهاب بدرخان

رغم تأكيد واشنطن وموسكو أنهما متفاهمتان ومتوافقتان على المسار المأساوي الذي دفعت إليه الأزمة السورية، كان مفاجئا أن يحذر رئيس الوزراء الروسي من «حرب عالمية» إذا فشلت المفاوضات لإنهاء هذا الصراع، وإذا حصلت عمليات برية «تنفذها قوات أميركية وعربية». ماذا يعني ذلك؟ الأرجح أن موسكو تدعو من جهة إلى حل للصراع بشروطها، ومن جهة أخرى إلى الاعتراف لها بدور حصري في سوريا لا يشاركها فيه أحد. وكان من الممكن أن تمنح روسيا هذا الامتياز لو أنها تصرفت بتوازن ومسؤولية ولم تفاقم الأزمة قتلا وتدميرا وتهجيرا، ثم أن ديمتري ميدفيديف ورئيسه يتجاهلان أن لديهما حليفين معاديين للعرب ولمجمل الإقليم، أحدهما نظام سوري منبوذ عالميا بسبب جرائمه الموثقة لدى الأمم المتحدة، والآخر إيران التي ساهمت في تخريب أربعة بلدان عربية وتستخدم الشحن الطائفي وسيلة للهيمنة الإقليمية.
خرج ميدفيديف من صمت طويل، وبمناسبة مؤتمر الأمن في ميونيخ، ليدعو الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي (الناتو) إلى التعاون من خلال «مجلس الناتو-روسيا» الذي أنشئ عام 2002 لتنظيم العلاقة وإدارة الخلافات بين الطرفين، وقد علق الأطلسي هذا التعاون بعد الأزمة الأوكرانية عام 2014 وتحديدا بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم. هذه دعوة إلى مساومة دولية تستند فيها موسكو إلى تدخلها/احتلالها لسوريا، وإلى التذكير بأن أزمة أوكرانيا ساهمت في نسف المفاوضات السورية الأولى في جنيف، وبأن كل ما جرى بين فبراير 2014 وفبراير 2016 كان صراعا غربيا أميركياً-روسياً يراوح بين سوريا وأوكرانيا.
حاولت موسكو الربط بين الأزمتين تسهيلا للمساومة، لكنها اصطدمت بإصرار أميركي-غربي على الفصل بينهما. حقق الروس مكاسب كثيرة في شرق أوكرانيا وأداروا الأزمة في اتجاه تقسيمها أو تقاسم النفوذ فيها، ولم يستجب الأميركيون والأوروبيون بل فرضوا عقوبات قاسية على روسيا انعكست بقوة على اقتصادها. عرضت موسكو التفاهم على رزمة مصالح وتنازلات متبادلة في أوكرانيا وسوريا، ولم تستجب واشنطن التي اعتبرت دائما أن لا مصالح لها في سوريا أما أوكرانيا فمسألة مختلفة. كانت تلك المساومة في حسابات فلاديمير بوتن عندما قرر التدخل في سوريا تحت عنوان دعائي هو «محاربة داعش». وقبل أن يحرك طائراته قام بمحاولتين أخيرتين مع نظيره الأميركي ومع زعماء أوروبا. وإذ لم يجد استجابة جعل أولويته ضرب المعارضة السورية، ولم يتعرض لـ «داعش» إلا بشكل رمزي، وبعدما استبعد الميليشيات الإيرانية ما لبث أن عول عليها في الاجتياحات البرية غير مبال بالتداعيات المذهبية عربيا وإسلاميا.
بين أميركيين يحاولون تنشيط الحرب على الإرهاب بوضع الحملة على «داعش» في الرقة تحت مظلة «الناتو»، وروس يضعون كل إمكاناتهم في خدمة وحشية نظام الأسد، تبدو سوريا وشعبها ضحية صراع دولي وساحة مفضلة لحرب «عالمية» بالوكالة قد تصبح -في نظر روسيا وإيران- حربا مباشرة «إذا شاركت فيها قوات عربية». يشير ميدفيديف، وهو صوت سيده، إلى مثالي أفغانستان وليبيا ليستنتج أن الهجوم البري «خيار سيئ» ويعني «حربا دائمة»، لكنه يحبذ أن تقوم إيران وحلفاؤها بهجوم كهذا وبذلك يضمن أن الحرب لن تكون عالمية ولا دائمة.. حتى لو أصبحت كارثة مستدامة.

 

نقلا عن “الحياة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً