مذبحة إيرانية عظمى في بر الشام
داود البصري
حجم الفجيعة الإيرانية في الخسائر البشرية في معارك الشمال السوري وتحديدا ريف حلب، فاق كل التصورات والتقديرات، وخرج عن كل السياقات، وتحولت لكارثة حقيقية حلت بالجسم العسكري الإيراني المتورط في إدارة المعارك والتدخلات الإيرانية في دول الشرق القديم؟ فمشاهد توافد الجنائز والصناديق الخشبية التي تضم أجساد مقاتلي الباسيج (تعبئة المستضعفين) والحرس الثوري الإيراني المتساقطين في معارك الميدان السورية أعادت للأذهان الشعبية الإيرانية ذكريات سنوات الحرب العراقية- الإيرانية المرة، وحيث كانت الحشود البشرية الإيرانية تتساقط كالجراد في جبهات الحرب حينذاك.
اليوم يتكرر المشهد بوحشية مفرطة في ظل التمدد العسكري الإيراني في عمق الشرق القديم. وهو تمدد له محاذيره وأثمانه وتداعياته أيضا، ففي جبهة حلب الشمالية وحدها خسر الإيرانيون خلال أسبوع من القتال ضد قوى المعارضة السورية في ريف حلب الغربي أكثر من 35 ضابطا من ضباط الحرس بعضهم برتب متقدمة وقيادية، ليضافوا للمئات من العناصر الذين تساقطوا على امتداد جبهات الحرب الداخلية الشرسة، حالة استنزاف فريدة وواضحة لقوات الحرس الثوري الإيراني في بر الشام تعبر عن تورط سياسي وعسكري كبير في النزاع السوري ، وعن وصول التدخل الإيراني في الشأن السوري لحافات ونهايات كارثية، لكون المعركة الإيرانية في الشام هي فعلا (معركة المصير الواحد) للدفاع عن المجال الحيوي الإيراني في الشرق، وهي معركة خاسرة لكونها في مواجهة الشعب السوري الحر الذي اختار خيار المواجهة والذي تتآمر عليه مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في محاولة إخضاعه وإركاعه وفرض شروط الذل والمهانة عليه وكسر إرادته وقهر عزيمته.
التاريخ يحدثنا بالنتائج الحتمية لأي تدخل خارجي في شأن شعب حر قرر تمزيق القيود والأغلال وانطلق بثورته العارمة التغييرية ليعانق الحرية الحمراء المقدسة! الإيرانيون في مأزق حقيقي وفخ قاتل، فخطوطهم العسكرية وتوسعهم في الشرق قد طالت كثيرا، وخسائرهم تعدت كل الحسابات خصوصا وأنهم فقدوا قيادات تاريخية مؤسسة للحرس الثوري كالجنرال حسين همداني وغيره فضلا عن غياب وغموض مصير قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي أصيب قبل شهور في حلب أيضا، لتضاف كل يوم أسماء ورتب جديدة تعمق حجم الخسائر الإيرانية المروعة التي دخلت فعلا في دائرة الخطر وأضحت تمثل تحديا واضحا للقيادة الإيرانية التي ساهمت في إطالة عمر النظام السوري قبل أن تتدخل الآلة الحربية الإرهابية الروسية. وهو تدخل يؤكد حالة التحالف الاستراتيجي بين النظامين في إدارة عمليات الإرهاب في الشرق القديم، أو في الحفاظ على المصالح والوجود.
والمعضلة الكبرى أن التورط العسكري الإيراني لم يشمل فقط المؤسسة الثورية الإيرانية بل أضاف لجدول الخسائر الميليشيات الطائفية اللبنانية (حزب الله) وهو البندقية الإيرانية في العالم العربي والذي خسر الآلاف من عناصره والمئات من قيادييه الميدانيين فضلا عن سمعته و مكانته السابقة، وكذلك العصابات العراقية والأفغانية والباكستانية حتى تحولت الأرض السورية لمصيدة حقيقية ومنطقة قتل لفئران العصابات الإيرانية في الشرق.
معالم المستقبل القريب واضحة وصريحة، فالجهد العسكري الإيراني لم يعد مقتصرا على تغطية مناطق معينة في سورية كريف دمشق مثلا. بل تحول ليكون مشاركة قتالية أشبه بقوات احتلال في مختلف المناطق السورية وهو ما يعمق من الخسائر البشرية ويوصلها لدرجة عدم الاحتمال في ضوء التبرم الشعبي الإيراني الداخلي ووصول الاحتقان الداخلي الإيراني لحافات انفجارية معلومة وواضحة، وبرغم الاعتماد الإيراني على الجهد العسكري الروسي لتخفيف الضغط على القوات الإيرانية، إلا أن الروس يضربون من الجو ولا وجود بري واضح لقواتهم حتى الآن، بينما الإيرانيون يقاتلون بريا ويلتحمون بشكل مباشر مع مقاتلي المعارضة السورية المسلحة مما يجعلهم هدفا دائما ومركزيا للاصطياد وحيث تتساقط القيادات العسكرية الإيرانية تباعا في حرب الاستنزاف السورية المؤدية للهلاك والاضمحلال والتلاشي، وثمة حقيقة ميدانية لا فكاك من أسرها يعيش هواجسها الإيرانيون كل يوم تتمثل في كون الفشل في مغامرتهم السورية يعني النهاية الحقيقية لكل مشاريع النظام الإيراني التبشيرية والتصديرية، وبما سيؤدي لانكفاء وتراجع سينعكس حتما على الوضع الداخلي الإيراني المتدهور.
الإيرانيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما وهما إما التعايش مع حالة النزيف البشري اليومي القاتل وتحمل الأعباء الكارثية لحرب الاستنزاف التي يخوضونها، أو تحمل مسؤولية الانسحاب العسكري التام من الميدان وبشكل فضائحي وعبر هزيمة مدوية تعمق وتكرس أزمات النظام الإيراني الداخلية المتراكمة، هزيمة الثورة السورية أمر مستحيل مهما بلغت خسائر الشعب السوري وقواه الحرية الذي يقاتل اليوم قوى جبارة إرهابية عظمى مثل الروس البغاة الطغاة، الإيرانيون في مصيدة حقيقية وأمام خيارات محدودة ومكلفة، ولكن تساقط الجنرالات الإيرانيين وأتباعهم من العملاء في الشرق قد أكد حجم هزيمتهم المفجعة التي ستظهر نتائجها المباشرة قريبا، وما النصر إلا من عند الله، ولن تهزم إرادة الحرية السورية المضمخة بدماء الشهداء الأحرار.. إنها الهزيمة الإيرانية المدوية والنهائية في الشرق.