اراء و أفكـار

«جنيف 3» والاحتمالات

انطلق مؤتمر «جنيف 3» حول الأزمة السورية انطلاقة بتراء، تفتقد معظم عناصر الأزمة الذين يجب أن يكونوا حاضرين باعتبارهم أصحابها وهم أنفسهم المعنيون بالحل، وغياب أي طرف يعني أن لا حل، أو تأجيل الحل، رغم أن الأطراف الدولية مصرة على انعقاد المؤتمر ولو بمن حضر، وقد حددت هذه الأطراف الدولية الإطار العام للحل وفق القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، وبيان مؤتمر فيينا الذي وضع آليات للمفاوضات على مدى تسعة شهور يتم خلالها الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهراً، ووضع دستور جديد، على أن تكون سوريا دولة ديمقراطية علمانية.
لقد أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي مستورا أن «جنيف 3» لن يكون «جنيف1» أو «جنيف2» لأن المفاوضات الحالية يجب أن تنجح، وكلام المبعوث الدولي ليس استنتاجاً من عنده بل هو على الأرجح موقف دولي حاسم بضرورة التوصل إلى حل للأزمة السورية، ولم يعد مسموحاً لأي طرف أن يواصل اللعب على الوقت أو الرهان على الخارج، لأن خطر المنظمات الإرهابية وصل إلى حد لم يعد مقبولاً التساهل معه، وبالتالي عدم مراعاة خواطر المجموعات السورية المعارضة أو النظام السوري.
واضح أن الولايات المتحدة وروسيا حسمتا خلافاتهما الأساسية وتوصلا إلى تفاهم عام حول أهمية وضع حد للأزمة السورية والتوصل إلى اتفاق سياسي بين النظام والمعارضة وعدم السماح لأي طرف بعرقلته.
لقد بدا هذا الأمر مؤكداً من خلال ما نقله وزير الخارجية الأمريكي لأطراف المعارضة من موقف حاسم حول ضرورة اشتراكهم في مؤتمر «جنيف 3» والتخلي عن شروطهم المسبقة، لأن الحل قادم لا محالة والتغيب عن المؤتمر لن يغير في الموقف شيئاً.
ما يعرقل مشاركة المعارضة هو خلافاتها التي لم تتمكن من حلها، وبالتالي عدم قدرتها على تشكيل وفد موحد يمثل كل أطرافها وقواها السياسية والعسكرية، وهي خلافات ليست هينة على ما يبدو، لأنها تتعلق بالخيارات السياسية والأهداف المتناقضة التي تتعلق بمستقبل سوريا، والمزايدات التي لها علاقة بارتباطاتها الخارجية.
أطراف المعارضة لم تتمكن من الاتفاق، ويستبعد بعضها بعضاً من القوائم التي تقدم إلى الأمم المتحدة ولكل من الولايات المتحدة وروسيا، وهذا يشير إلى انقسام واضح فيما بينها لن يستفيد منه إلا النظام السوري الذي بات جاهزاً للدخول في المفاوضات مدعوماً بتأييد روسي سياسي وعسكري، وبقبول غربي وخصوصاً أمريكي.
بما أن مؤتمر «جنيف 3» انطلق والمعارضة مشتتة بانتظار أن تلملم شتاتها، وتقرر المشاركة الجدية والمباشرة في مفاوضات قد تطول وقد تتخللها عقبات ومطبات، لأن الأزمة وصلت إلى مرحلة من التعقيد تحتاج إلى كثير من الجهد والصبر، فإن الغياب عن المفاوضات لن يكون في مصلحة أحد، لا في مصلحة المعارضة ولا في مصلحة النظام، ولا في مصلحة سوريا.. إنما سيكون الإرهاب هو المستفيد الوحيد، إضافة إلى المزيد من الدماء والدمار.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً