اراء و أفكـار

التدخل العسكري في ليبيا

مع انسداد أفق الحل السياسي في ليبيا، واقتراب فشل المبعوث الأممي مارتن كوبلر في مهمته، بعد أن تم القضاء على فكرة تشكيل حكومة توافق وطني، كان من المفترض أن تُشكل مدخلاً للحل السياسي، وإخراج ليبيا من أزمتها الدامية، فإن التدخل العسكري الغربي بات مرجحاً أكثر من قبل، ما يعني أن ليبيا سوف تدخل مرحلة جديدة من الصراع ستكون أكثر دموية، مع المزيد من الكوارث والمآسي.
ولأن الأطراف الليبية المتصارعة وضعت مصالحها الشخصية والفئوية فوق مصلحة بلدها، ولأن هذه الأطراف عجزت عن الاتفاق على الحد الأدنى من الجوامع المشتركة، واعتبرت أن ما يفرقها هو الأساس، فإنها بذلك تتعمد تبديد أية فرصة ممكنة لإنقاذ ليبيا، مع علمها أن هذا العمل سوف يعطي الآخرين ذريعة للتدخل، وتكرار ما فعلته عندما أسقطت النظام السابق، ثم تركت ليبيا فريسة للصراعات الداخلية ودخولها عصر الميليشيات والمنظمات الإرهابية.
تدرك الأطراف الليبية في طرابلس وطبرق أن العالم لن يسمح طويلاً بأن يظل الوضع في ليبيا على حاله من السوء، مع تمدد الإرهاب واتساع مداه وخطره، وأن فرصة البحث عن حلول سياسية لن تطول، ومع ذلك فهي تناور وتستنزف الوقت وتهدر الجهود بلا طائل.
لعل هذه الأطراف تعرف، قبل غيرها، أن ليبيا ليست جزيرة معزولة، بل هي دولة مستهدفة نظراً لموقعها الجغرافي وثرواتها النفطية، وهي في بؤرة الصراع على المنطقة، من الناحية الجيواستراتيجية بين القوى الكبرى، وقد ازداد الاهتمام بها بعدما ازدادت المخاطر المتأتية منها على دول الجوار الإقليمي، وعلى أوروبا، جراء تعاظم هذه المخاطر المتأتية من المنظمات الإرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة في بلاد المغرب العربي»، و«أنصارالشريعة»، وتلاقي هذه المنظمات من حيث الأهداف والمعتقد مع جماعة «بوكو حرام» الإرهابية في الساحل الغربي للقارة الإفريقية.
ثم جاء التوسع الأخير لتنظيم «داعش» باستيلائه على معظم الهلال النفطي الليبي ليضع الدول الغربية خصوصاً، أمام واقع جديد لا يمكن تحمله، إذ إن السيطرة على الهلال النفطي يعني السيطرة على ثروة نفطية هائلة، يمكنها أن تزود التنظيم بإمكانات كبيرة تجعله قادراً على تشكيل خطر متعاظم، والقبض على عصب حياة أساسي يغذي العالم بالطاقة.
ما نسمعه من ردود فعل غربية على التطورات السلبية في الملف الليبي، بهد انهيار محاولات تشكيل حكومة وفاق وطني يشير إلى أن الأمور تتجه نحو تدخل عسكري وشيك لضرب تنظيم «داعش». فتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول تكليف مجلس الأمن القومي دراسة وسائل التدخل العسكري في ليبيا، وكذلك تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية، روبيرتا بينوني، بأن «بلادها إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يدرسون خيار التدخل العسكري في ليبيا للعمل على استقرار الوضع فيها»، و«وضع خطط ممكنة للتحرك ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، كلها مؤشرات جدية على أن التدخل العسكري ليس بعيداً، وهذا ما دفع عناصر التنظيم الإرهابي إلى إخراج عائلاتهم من مدينة سرت الليبية تحسباً لعمل عسكري يرونه وشيكاً».
أعان الله ليبيا على من جعلوا من أنفسهم حماة لها، وحولوها إلى مقبرة واسعة وساحة للصراع والاقتتال.. وهدفاً للأطماع الخارجية.

 

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً