اراء و أفكـار

الخوف على تونس

عندما تفجّرت ثورة الياسمين في تونس قبل خمس سنوات، وأشعلت شرارتها أتون ثورات عدة في المنطقة العربية تعبيراً عن رفض الاستبداد والفساد والظلم، وطلباً للحرية والعدالة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل لآلاف العاطلين عن العمل من الشباب بعد انسداد أفق التغيير والإصلاح، وتحكّم أساطين المال والرأسمال بمفاصل السلطة، وتعاظم بطش أجهزة الأمن، وتجريف الحياة السياسية.. ساد الاعتقاد يومها أن انتصار الثورة التونسية سوف يفتح باب التغيير، ويطلق العنان لورشة كبرى في كل الميادين الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، تخلّص الشعب التونسي من حالة البؤس والشقاء التي يعيشها، وتعيد إليه الأمل بإمكانية العبور لتحقيق أهداف ثورته.
المشكلة، أن الثورة واجهت في مراحلها الأولى حالة من وضع اليد عليها من جانب حركات ما يسمى الإسلام السياسي، وخصوصاً «حركة النهضة» والجماعات السلفية التي وجدت في الثورة فرصة للخروج إلى الضوء بعدما كمنت طويلاً في العتمة، بسبب غياب القوى السياسة المنظمة التي يمكنها وضع برنامج وطني للثورة يحول دون سقوطها بأيدي المتربصين والمستغلين، ويمنع أعداء الثورة من التسلل إليها والسطو عليها.
لقد تمكنت كل القوى التي برزت على سطح الحياة السياسية بعد الثورة – ولم يكن لها دور فيها – من الإمساك بمفاصل السلطة بعدما نجحت في ركوب موجة الديمقراطية والحريات، واستخدمتها مطيّة للاستحواذ على التأييد الشعبي في انتخابات عرفت كيف تجير شعاراتها لمصلحتها بعدما طرحت نفسها منقذاً وحيداً لتونس من كل أزماتها.
خلال مسيرة السنوات الخمس الماضية، تبين أن كل القوى التي قبضت على السلطة باسم الثورة هي مجموعات انتهازية فشلت في ترجمة وعودها، وأن هدفها هو السلطة فقط، لأنها في الأساس لا تحمل أي مشروع للتغيير، وليس في أفكارها ومنهجها السياسي ما يشير إلى أنها تنتمي إلى الثورة بما تعنيه من تلبية لحاجات الجماهير في القضاء على الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، أي نقل المواطن التونسي من حالة الاستلاب والرضوخ لجشع الرأسمالية والزبائنية وشروطها اللاإنسانية إلى حالة الديمقراطية الاجتماعية والسياسية الحقيقية.
بعد خمس سنوات على الثورة يجد المواطن التونسي نفسه أنه يعيش حالة أتعس مما كان عليها قبل الثورة، بل يشعر بأنه تعرض خلال هذه الفترة للخيانة على يد من ادعوا أنهم أهل الثورة وحماتها وأربابها، وأن كل الوعود التي أطلقوها كانت مجرد أوهام وأحلام وردية.
ينطبق على الذين استولوا على السلطة في تونس خلال السنوات الماضية القول إن من لا يملك شيئاً لن يستطيع أن يعطي شيئاً..لذا فالتظاهرات التي عمّت أرجاء واسعة من تونس خلال الأيام القليلة الماضية هي رد فعل طبيعي على حالة الإحباط التي يعيشها المواطن التونسي الذي وجد نفسه بعد خمس سنوات أنه يعيش المأساة الاجتماعية إياها التي كان عليها من قبل، لأن لا شيء تغير وأن الأزمة الاقتصادية تخنقه، والبطالة في خط متصاعد وبلا ضوابط، وأن النظام عاجز عن تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية.
لكن هذا الحراك الشعبي على الرغم من مشروعيته، تتهدده مخاطر جمّة تتمثل بالقوى المتربصة بتونس من جماعات متطرفة وإرهابية، ومن قوى سياسية انتهازية ومن عصابات إجرامية تلتقي في أهدافها على تدمير تونس من خلال القيام بعمليات تخريب. لذلك لا بد للحراك الشعبي أن يأخذ في اعتباره حماية تونس ومؤسساتها، ويحول دون محاولات أخذه بعيداً عن أهدافه.. ويكون مطيّة لوضع البلد رهينة الفوضى.

نقلا عن “الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً