اراء و أفكـار

مأساة متواصلة

الهاربون من لهيب الحروب في بلدانهم، ومن جرائم الإرهاب وسكاكين الذبح والنحر التي لاتزال تعمل في رقاب الأبرياء في كل من العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول التي ابتليت بحروب أهلية. هؤلاء لم يقطعوا الأمل بإمكانية الفرار إلى مكان آمن لهم ولأطفالهم رغم المآسي التي تتكرر منذ سنوات والتي طالت الآلاف من الهاربين من الجحيم ليقعوا فريسة الموت غرقاً.. وحالهم كحال المستجير من الرمضاء بالنار.
فاجعة جديدة على شواطئ اليونان راح ضحيتها نحو 45 لاجئاً ابتلعهم البحر لتضع العالم مجدداً أمام مسؤولياته التي يتهرب من تحمل تبعاتها، تارة بادعاء عدم القدرة على استيعاب المزيد من اللاجئين، وتارة بإثارة هواجس أمنية واجتماعية، وتارة بالتحريض الديني والتخويف من الإسلام والحرص على الثقافة المسيحية، كما زعم بعض قادة دول شرق أوروبا، ما دعا بلداناً أوروبية إلى إقفال حدودها أمام اللاجئين أو تسييجها بالأشرطة الشائكة لتصعيب عملية عبورها.
كذلك فشلت دول الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على سياسة موحدة إزاء أزمة اللاجئين ومنها على سبيل المثال الاتفاق على حصص تتقاسمها دول الاتحاد، ما جعل مسألة اللجوء مع استمرار عمليات القتل والترويع في الدول المعنية أكثر صعوبة، وبما يعرض أرواح المزيد من البشر للغرق جراء استخدام قضية اللجوء ورقة للمساومات السياسية أو تصفية الحسابات، أو تعمد إحراج بعض الدول لإظهارها مقصرة في التعاطي مع الأزمة، إضافة إلى استخدام مأساة اللجوء عملية تجارية لجني الأرباح بواسطة مافيات باتت معروفة للكثير من الدول، تتولى تنظيم رحلات لجوء بواسطة قوارب مهترئة أو تنعدم فيها أبسط وسائل الأمان، وحشر العشرات في قوارب وتحميلها أضعاف قدرتها.
إن فشل العالم في وضع حلول فورية لأزمة اللجوء يعني أن المآسي والفواجع سوف تستمر، لأن الحلول الجزئية أو الترقيعية قد تحل جانباً من الأزمة وليس كلها طالما أن الحروب متواصلة والقتل على أشده ونوافذ الحلول لم تفتح بعد، لذا فمن البديهي ألا ينقطع حبل اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب باتجاه أوروبا بحراً أو براً.
أثبتت الأشهر القليلة الماضية أن الدول الأوروبية تتعامل بأنانية مع مسألة اللاجئين، فهي لم تقدم الجهد الكافي على الاستيعاب، ولا وفرت المساعدات اللازمة لدول «خط المواجهة» (الأردن ولبنان وتركيا) كي تتمكن من التعاطي المشرف مع اللاجئين على أرضهم وبما يفوق قدراتهم المالية لتوفير الاحتياجات الصحية والاجتماعية والتربوية لهم.
المطلوب سياسة مشتركة ليس للدول الأوروبية فقط إنما لدول العالم، ووضع خطة خاصة باللاجئين، لأن المسؤولية هي مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، وإلا فإن البحر بانتظار المزيد من الضحايا.

 

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً