اراء و أفكـار

مضايا والمناطق المنسية

يونس السيد
ما بين مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق وبلدة مضايا المصيف السوري الشهير قرب الحدود مع لبنان مشتركات كثيرة فرضتها ظروف الحرب، رغم المسافة الفاصلة بينهما والتي لا تزيد عن 40 إلى 45 كيلومتراً. لكن الآلة الإعلامية تذهب في اتجاه مضايا أكثر مما تتوقف عند مخيم اليرموك مع أن كلاً منهما يخضع للحصار، بل إن المخيم الفلسطيني يخضع للحصار منذ أكثر من 3 سنوات فيما تعرضت مضايا للحصار المشدد قبل 6 أشهر فقط.
لسنا بصدد المقارنة، لكننا نود التذكير بأن هناك الكثير من المناطق المحاصرة سواء من قبل النظام أو فصائل المعارضة، وجميع ساكنيها كانوا ضحايا الجوع والمرض والبؤس، وأكلوا القطط والأعشاب البرية، ومات الكثير منهم بصمت أو وهو يجهد للحصول على شيء يقتاته أو يقدمه لأطفاله.. وهناك الكثير من المشاهد المروعة ولوحات الهياكل العظمية التي لم تلتقطها عدسات كاميرات الإعلام في هذه المناطق المنسية والمحاصرة داخل الوطن الأم المحاصر بدوره.
الأمم المتحدة كشفت أن هناك نحو 4,5 مليون شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها لتقديم المساعدة، وحذرت من أن أكثر من 400 ألف مدني محاصرين في مناطق متفرقة مهددون بالموت إذا لم يتحرك العالم على وجه السرعة لنجدتهم، وهؤلاء ليسوا مهددين بالموت جوعاً فحسب، بل يتعرضون للقصف وعمليات القتل والتنكيل وحتى الإعدام على يد الجهات التي تحاصرهم أو تلك التي تحتجزهم دروعاً بشرية لحماية أنفسهم.. فمن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد.. وفي كل الحالات يتحول هؤلاء الأبرياء وقوداً لمعارك ضارية لا دخل لهم فيها ولا حول لهم ولا قوة.
ولكن لماذا يدفع المدنيون الأبرياء ثمن هذه الحرب المجنونة، بينما يدعي الجميع حرصه على سلامتهم ويزعم أنه يقاتل من أجل تأمين مستقبلهم، ولماذا يتم أصلاً فرض الحصار على المدنيين ويجري استخدامهم كجزء من تكتيكات الحرب الأهلية؟
.. ألا يوجد سبيل لتجنيب المدنيين ويلات مثل هذه الحروب، أم أن الحياة البشرية لم يعد لها أية قيمة في حسابات الأجندات السياسية التي لا تعترف إلا بكسر إرادة الطرف الآخر ولو على حساب أي شيء وكل شيء لتحقيق مصالحها وأهدافها.؟ أسئلة كثيرة، في الواقع، تطرح نفسها بإلحاح حول صورة الحرب والحصار التي ترتسم على أرض سوريا، من دون أن يكون لأحد القدرة على الإجابة عليها، لكننا أمام هذا الكم الهائل من الاستهتار بالحياة البشرية، لن نتحدث عن حقوق الإنسان والقوانين الدولية، ولا حتى عن الجوانب الأخلاقية، رغم أن معظم ما يحدث على خارطة الفسيفساء السورية يرتقي إلى «جرائم الحرب» و «الجرائم ضد الإنسانية» أياً يكن المسؤول عن ذلك، وأمام كل هذا لا سبيل سوى المطالبة برفع الحصار عن المدنيين على الأقل، فلا إدخال المساعدات المؤقتة هو الحل، ولا حتى التسويات المناطقية.. هناك طريق واحدة لذلك، وهي البحث عن مخرج سياسي للأزمة السورية برمتها قد يحفظ ما تبقى من ماء وجه الجميع، هذا إذا كان هناك من لا يزال يريد الإصغاء إلى صوت العقل.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً