اراء و أفكـار

بالإذن.. أبناء الوهم..

علي نون
لا شيء دمّر سوريا أكثر من وهم رئيسها السابق بشار الأسد بأنه ليس كغيره من نظرائه الذين سبقوه إلى المتحف (أقل ما يُقال!) ولا شيء يدمّر السياسة الإيرانية الخارجية أكثر من أوهام أصحابها بأنهم قادرون وغيرهم قاصر!

الوهم الأسدي المركّب أخذ صاحبه إلى الظن المنحوس بأنه مدرّع ومحصّن إزاء المساءلة الاستثنائية تبعاً لأشياء كثيرة، أولها بنية النظام التي حوّلت سوريا الى صنو إسرائيل لكن بالمقلوب: أجهزة أمنية متراكمة فوق بعضها البعض، «عندها» دولة بأمها وأبيها وليس العكس! فيما إسرائيل على جاري النصّ الاختصاري عبارة عن «جيش عنده دولة» وليس العكس.

وثاني أشياء الوهم الأسدي، هو النصّ البلاغي والتعبوي الذي يتحدث عن مقارعة إسرائيل فيما هو شكّل أحد أبرز وأهم صمامات أمانها الاستراتيجية.. مضافاً إلى ذلك التزام عقيدي لا ينزل تحت سقف «الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة» فيما هو بالكاد خرج من الدائرة الفئوية العائلية في بناء سلطته، ولم يرَ أمامه، من بين السوريين، إلاّ من يرسّخ منحاه الفئوي ويساعد على تكوينه وتمويه حقيقته.

وتلك «أدوات» قديمة أريد الاستمرار في اعتمادها، في عالم جديد! وهي متفرّعة من أساس تشظّى مع انهيار «المعسكر الاشتراكي» وانتهاء الحرب الباردة. إلا أن أصحابها (آل الأسد) بزّوا غيرهم في تطويرها وتطوير وظائفها من دون أن يلحظوا أو يصدقوا، أن العالم تغير وأن سوريا جزء من هذا العالم وليست معزولة عنه.. وأن الوظيفة الخارجية الناجحة (حماية إسرائيل) لا تعوّض عن الوظيفة الداخلية الفاشلة، المتمثلة باستبدال المزرعة العائلية الأمنية بالدولة الصحيحة والمنجزة!

افترض رئيس سوريا السابق بشار الأسد أن السوريين دُجّنوا بثنائية العنف والبلف وأن أجيالهم الجديدة ورثت عن القديمة انصياعها إلى توليفة مقارعة إسرائيل و«البعث« التوحيدي العروبي… عدا عن تراكم في مخزون الذاكرة أساسه عبث المواجهة تبعاً للمثال الحموي (المذبحة) أو التدمري (السجن) أو غير ذلك، من نتائج المواجهات المسلحة المتفرقة التي امتدت من حلب إلى قلب دمشق!

.. افترض ذلك وما هو أكثر منه مع وصول أنشودة «المقاومة« إلى فرقته السيمفونية البلاغية. لكنه سقط في أول امتحان واقعي قارص، ولم يستطع الخروج من وهم النجاح برغم فشله التام والمدوي مع انطلاق الثورة من درعا.. منعه وهمه المركّب ذاك من رؤية الأمور بواقعية. وظلّ يفترض أن أوراق سلطته التي مرَّ عليها الزمن، لا تزال صالحة للاستخدام، إلى أن دمّر سوريا وقدّم نفسه كمثال مكثف لمقولة «الطغاة الذين يجلبون الغزاة»… ضاعت سوريا ولا يزال يفترض أنه «رئيسها»، وأن الإيرانيين والروس سيُعيدون بث الروح في عظام سلطته الرميم!

.. المعضلة مع الإيرانيين في سياستهم الخارجية تشبه معضلة الأسد في سياسته الداخلية: افترضوا أن النص التعبوي الخاص بالقضية الفلسطينية يغطي على مراميهم المذهبية القومية، وأن اعتماد منطق الهجوم الدائم واستخدام آليات غير سوية وغير شرعية وغير قانونية (منها الإرهاب!) يكفي لحشر الآخرين في الزاوية وإرباكهم وأكل رؤوسهم! وصولاً إلى إجبارهم على التسليم والإذعان طلباً للأمان والسترة!

طاشت بعيداً تلك الحسابات حتى ركبها وهم المغرور! وعند أول امتحان فعلي مباشر (مثل مساعدة السعودية للبحرين وعاصفة الحزم وصولاً إلى قطع العلاقات الديبلوماسية) سقطت وارتدت على أصحابها. وليس أدل على ذلك من الواقعة القائلة بأن الحديث عن «مستقبل الأسد» مثلاً، صار رديفاً للحديث عن «مستقبل إيران»: «دولة» أو «ثورة»!!

وهذه قصة كبيرة..

نقلا عن”المستقبل”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً