اراء و أفكـار

صراع الاستراتيجيات

سبق لروسيا أن أقرت استراتيجيتها للأمن القومي العام 2009 حتى العام 2020 ، لكن الرئيس فلاديمير بوتين أوصى في تموز (يوليو) الماضي بتعديلها بسبب التطورات التي شهدها الشرق الأوسط وشرق أوروبا. وقد تم التعديل بالفعل، وفي 31 ديسمبر (كانون الأول ) الماضي أعلن الاستراتيجية الجديدة المعدلة التي تتناسب والتحديات والأخطار الجديدة التي تواجهها روسيا.
الجديد في هذه الاستراتيجية أنه تم وضع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة ضمن مصادر التهديد للأمن الوطني الروسي والمصالح القومية الروسية، ما يعني أن الصراع لم يعد له وجه سياسي أو اقتصادي فحسب إنما انتقل إلى مرحلة الصدام المحتمل بوسائل أخرى، طالما أن موسكو ترى في زحف حلف الأطلسي نحو تخومها الغربية تهديداً لأمنها القومي، جراء تكثيف الوجود العسكري في شرق أوروبا ودول البلطيق، ومحاولة ضم الجبل الأسود إلى الحلف، إضافة إلى خطط ضم اوكرانيا.. ونشر أسلحة نووية جديدة في أوروبا.
لا تنظر موسكو إلى هذه التطورات بعين الرضى، بل تتعاطى معها بقلق وحذر, وتعتبرها خروجاً على اتفاقات سابقة وعلى روح العلاقات الإيجابية التي سادت خلال السنوات الماضية، وخرقاً للمادتين 1و2 من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.. ما دفع الرئيس بوتين إلى القول بأن روسيا «سوف تضطر إلى توجيه قواتنا المسلحة باتجاه المناطق التي يأتي منها الخطر»، وتشعر روسيا أيضا أنها تتعرض لمحاولة حصار لمنعها من القيام بدورها كقوة عظمى، كي تحتفظ الولايات المتحدة على سيطرتها العالمية من دون منازع، بما يهدد السلام العالمي.
وتحدثت الاستراتيجية الجديدة عن الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش» على الدول من حيث تسعير الإرهاب والنعرات القومية والمذهبية وغيرها من مظاهر التطرف، ورأت أن ظهور هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المشابهة كان جراء «سياسة المعايير المزدوجة التي تتبناها بعض الدول في مكافحة الإرهاب».
ورغم أن هذه الاسترايجية استبعدت أي سباق للتسلح، كما أكدت ضرورة «بناء نظام مستقر وراسخ للعلاقات الدولية، يستند إلى القانون الدولي ومبادئ المساواة والاحترام المتبادل وحل الأزمات بالطرق السلمية» وإلى «شراكة استراتيجية متساوية»، وإلى حوار واسع مع حلف الأطلسي، إلا أن البيئة الدولية الراهنة التي تشهد حالة من الشد والجذب على كل المستويات، وسيولة سياسية غير واضحة وتوترات أمنية متزايدة قد لا تجد فرصة فعلية للتهدئة طالما أن الأطراف الكبرى المعنية تعيش حالة من التوتر والشك والتوجس المتبادل في النوايا والخطط.. ما يضع العالم أمام واقع جديد وخطير يخرج عن الضبط والربط.
يبدو حتى الآن أن كل الرؤوس حامية وتستعجل قطاف نتائج سياساتها ومراهناتها.. وتعويض فشلها وخسارتها، ما قد يهدد الأمن والسلام الدوليين.
إنه صراع الاستراتيجيات الكبرى الذي يجري معظمه على أرضنا، ونحن من دفع وسيدفع الثمن.. وهو باهظ بكل المقاييس.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً