اراء و أفكـار

إيران المطرودة تحت المطرقة والحصار

لم تكن إيران منذ تأسيس الجمهورية الموسومة بالإسلامية ذات طبيعة سلمية سلسة في علاقاتها مع جوارها العربي والإسلامي، وإنما أصبحت تلك الصيغة الإسلامية قناعا لمشروع توسعي يستعيد تاريخا تعمل الدولة من أجل تحقيقه على الواقع، تماما كما كان تفكير هتلر من خلال الرايخ الثالث الذي كان غطاء لأفكار الجنس الآري. إيران ليست دولة تستقيم مع مقتضيات العمل الإسلامي المشترك، أو من أجل سلام المنطقة والعالم، وطالما أن لها إزدواجية في ضميرها السياسي والديني، فهي تظل مصدر قلق وعبث مؤكد بأمن المنطقة والعالم الإسلامي، خصوصا أن فقه الواقع ربما يمنحها خيارات للمناورة الدينية وإساءة السلوك السياسي بشكل متعمد، لكن في الوقت نفسه تخسر الثقة فيها كشريك ديني أو سياسي.

العلاقات الدولية تقوم على الاحترام المتبادل، ولذلك قوانينه وأعرافه الموضوعية، وحين تسمح دولة باحتراق واختراق ذلك الاحترام فإنها تصبح مسؤولة عن العبث والتخريب الذي يحدث بتلك العلاقات، وفي بدايات الثورة الإسلامية تم اقتحام السفارة الأميركية وحرقها، وتلقت بعدها دروسا سياسية وديبلوماسية في احترام الحصانات والمواثيق الدولية. تكرر المشهد في حرق السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، وبدا أن إيران لم تستوعب درس العبث بالقواعد الديبلوماسية، بل هي تعمدت وسمحت بالاختراق في قضية ليست من شأن إيران ومواطنيها مطلقا، ولذلك فهنا عملية تضحية باحترام الآخر لإثبات وجهة نظر دينية وسياسية، ومن السوء استخدام العامة لاختراق الأعراف والقواعد الدولية المنظمة للعمل الديبلوماسي. لن تستقيم إيران في سلوكها السياسي تجاه الأمة الإسلامية كلها وليس المنطقة العربية فقط لأن دستورها يضعها في جانب، ومن عداها في الجانب الآخر، وذلك تمييز منطقي لما تواثقت عليه في إدارة ملفاتها الداخلية والسياسية الدولية، وتشريعاتها وحراكها يرتكز الى مرجعيات دستورية لا تمنحها أي مرونة في التعامل مع الآخرين بمقتضيات طبيعية ومفتوحة على تبادل المصالح وثوابت الاحترام والقيم السياسية في علاقاتها بالآخرين. تنص المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني على أن الدولة تدين بالمذهب الشيعي الاثني عشري وتعتمده مرجعا لها الى الأبد، وذلك ليس المشكلة بحسب ظاهر النص وإنما تداعيات ما في باطن النص، وتوظيفه بصورة نسبية تخلق تضييقا دينيا يؤسس لتزمت دستوري، يفسر تعنتها واستعلاءها واستعدادها المتوحش للدخول في أنفاق ضيقة ومظلمة مع الآخرين. اتخاذ التشيع حصان طروادة لمشروعات سياسية توسعية، يمثل ذروة الانتهازية والوصولية القبيحة، فالمذهب إنما هو قناعات وخيارات أفراد، من السيئ استخدامهم لخدمة طموحات نخب دينية وسياسية على النحو الذي تمضي به إيران في تضليل مقيت وشائن لاتباع المذهب الديني، أي أنها من زاوية أخرى طائفية متطرفة وسط عالم سنّي ينبغي أن يتحرك فيه الفكر بصورة مرنة بأن يتخذ من يشاء ما يشاء من قناعات وأنماط تديّن، حتى لو لم يؤمن شخص بالدين أما أن تختطف خياراته كما تفعل إيران فذلك مبدأ المشكلة. انتهت إيران أخيرا في عدائها للمملكة العربية السعودية الى طرد بعثتها الديبلوماسية، ذلك رد فعل وليس فعلا سعوديا، أي نتيجة، كما أنه يمثل معالجة لسفور سياسي إيراني ظلت تتعمده في علاقاتها بالسعودية دون كثير من الاعتبارات الدينية والسياسية والأخلاقية والقومية، ومن عدم الذكاء تجاهل أو إغفال العمق الإسلامي والعربي للسعودية، ذلك مثير لعواطف رأي عام أكبر من الاستخفاف والاستهانة به. نابليون قال ذات مرة «إن ممارسة السلطة تتطلب عظمة مطلقة، تلك العظمة ليست بالضرورة المسألة الوجدانية التي تتعلق بمكتسبات حضارية أو تاريخية، وإنما الفعل ورد الفعل الضروري في المواقف والأزمات»، ذلك ما حدث بكبح السلوكيات الإيرانية الضارة بأمن غيرها، وتدخلاتها المتطفلة في شؤونهم، والعابثة بإرادتهم الوطنية. إقصاء إيران من المسار السياسي العربي أولا، مطلوب لأنه يهدم مخططاتها العبثية بالأمن والسلم الاجتماعي في دول المنطقة، وثانيا المسار الإسلامي بما يجعلها دولة لا تتجاوز حدودها بحيث تتحرك بنزاهة من دون بواعث حول محاصصات مذهبية وممارسة أدوار غير لائقة بالدين والمسلمين، فوزنها السياسي لن يتجاوز الحقيقة بأنها دولة مهمة حين يقدّر الآخرون ذلك وليس وفقا للتصورات الذاتية، فيمكن لكل دولة، أو شعب، أن يرى أنه أفضل مخلوقات الله وأنظمة البشرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. الثابت الآن أن إيران وفقا لنياتها التوسعية ودستورها الذي يؤهلها لخنق غيرها، بحاجة الى إعادة نظر سلوكية، وأخطاؤها بحق الدول العربية قابلة للتسوية والمعالجة إذا تخلصت من انحيازاتها الطائفية، ومن التهور والحمق استعداء مليار ونصف المليار مسلم، فسلوكها الحالي يقود الى هاوية التمييز المذهبي بطريق ممهد بما تفعله على أرض الواقع في المجتمعات العربية ما يزيد المرارات والأحقاد. الاصطفاف يجعل إيران تخسر ولا يمكنها أن تكسب سياسيا أو عسكريا أو أمنيا أو اقتصاديا، إنها محرقة ترتد اليها، ولن يخدمها التعميق الطائفي كبرنامج لهدر الطاقة الدينية في المجتمعات، خصوصا وأنها اكتسبت حساسية عقدية تجعل ذكر اسم هذه الدولة يستثير شعور الرأي العام بالكراهية والاشمئزاز من التعالي الفارغ في خطابات تتطاير وتتبعثر في السموات العربية والإسلامية.

كاتب سوداني

نقلا عن “السياسة الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً