اراء و أفكـار

الإسرائيل 2016… إلى أين؟

أحمد فؤاد أنور

يجد المراقب لحصاد العام المنصرم، أن حكومة تل أبيب برئاسة بنيامين نتانياهو، باتت عاجزة بل ومفضوحة أمام الرأي العام الإسرائيلي، لفشلها في قمع الانتفاضة، وفي تشكيل ائتلاف حكومي مستقر، حيث تكررت التباديل والتوافيق للترضية وتجاوز الأزمات، ومع هذا استمرت تهديدات أعضاء الائتلاف الحكومي بالانسحاب منه متكررة، وأحدثها الصادر من آرييه درعي احتجاجاً على الفشل في إيجاد حلول لتحسين أوضاع الفقراء.
ويزيد من تفاقم الأوضاع التي قد تفرض نفسها على الجميع في مطلع 2016، تهديد قطاعات خدمية مؤثرة بالإضراب، الأمر الذي يعني شلّ حركة المجتمع في ظل أفق مسدود، نظراً الى كون زعيم المعارضة بوجي هيرتسوغ لا يحظى بثقة غالبية الرأي العام الإسرائيلي، الى درجة أن 4 في المئة فقط ممن أجري عليهم استطلاع في نهاية العام الحالي عبَّروا عن رضاهم الكبير عن مستوى الأداء، بينما أكد 76 في المئة أن تقييمهم أداء زعيم المعارضة بين سيئ إلى متوسط!
ويمكن القول إن الضغط الاقتصادي على المجتمع الإسرائيلي تزايد في شكل مطرد، بعد زيادة موازنات الأمن، وضخ مزيد من الأموال على حملات «غسيل السمعة» التي تسعى إلى التصدّي لانتقادات متكررة من رسميين في دول أوروبية، وتعاطف إعلامي أميركي خجول وروسي ظاهر مع الحق الفلسطيني، ما جعل عشرات الآلاف ينضمون إلى الفقراء القدامى في إسرائيل سنوياً.
ومن المستجدات التي برزت في 2015 ومن المتوقع أن تتفاقم في 2016 أيضاً، البحث عن حل سياسي، ولو كان مبنياً على «تنازلات» للفلسطينيين للخروج من شبح إنهاك «مجتمع المهاجرين لأسباب اقتصادية»، ودفعه إلى النزوح العكسي استجابة لموجة «الحنين إلى الجذور» البادية في كتابات عدد من أشهر الأدباء من أصول روسية وعراقية ومصرية وإثيوبية، ما يعكس عدم القدرة على الاندماج حتى بعد مرور أكثر من ستين عاماً على بعض الأدباء في إسرائيل (حالة الكاتب العراقي الأصل سامي ميخائيل، مثلاً).
وفي السياق ذاته، سيؤثر في جهود إسرائيل في العام الجديد لتحسين أوضاعها الداخلية وصورتها الخارجية، واستمرار تصعيدها في القدس والذي دفعت ثمنه ولا تزال عبر المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة منتجات المستوطنات في دول عدة مؤثرة من العالم الغربي، فضلاً عن التصويت في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، بجانب تنظيم جهود دولية شعبية ضد عتاة المستوطنين، كما في حالة منظمة «عطيرت كوهانيم»، التي تعلن صراحة عن نيّتها رفع نسبة اليهود كي يصبحوا الغالبية بين سكان القدس الشرقية، ما مكَّن تأجيل إخلاء بعض المنازل في القدس الشرقية استجابة لضغط الرأي العام العالمي.
كما تم التعبير عن انكماش إسرائيلي في هذا الصدد، من خلال مطالبة أصوات إسرائيلية على غرار المحلل السياسي إيلي كلوتشتاين، بتجميد محاولات الحكومة الإسرائيلية تغيير الوضع الراهن في القدس وتخفيض مستوى البناء في المستوطنات حتى تمر عاصفة الغضب الحالية.
العلاقة مع أميركا ستكون المفتاح والضابط إلى حدّ كبير لاستيعاب السيناريوات المقبلة، فقد بات واضحاً أن الثمن الباهظ الذي تدفعه الولايات المتحدة والغرب من خلفها لحماية إسرائيل، لم تعد تل أبيب تقدّم مقابله خدمات جليلة، فالعالم العربي تفتّت والجيشان السوري والعراقي ومن قبلهما الليبي لم يعد لهم وجود يمثل خطراً، والانكفاء على المشكلات الداخلية أصبح سمة مميزة للنشاط العربي، ما يقلل من أهمية الدور والخدمات التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة. وهو ما سينعكس بالضرورة على وعود المرشحين والممارسة الفعلية للرئيس المقبل للولايات المتحدة في 2016.
أما العلاقة مع إيران، فحصد منها نتانياهو الكثير، واستطاع من خلال الترويج للخطر الإيراني المزعوم أن يبقى في مقعده لسنوات. بالتدريج يتّضح للمراقب أن التهديد والوعيد لم يخرجا أبداً إلى حيز التنفيذ، وأنهما كانا مجرد غبار متعمد الهدف منه إتاحة الوقت أمام إيران لاستكمال برامجها وقدراتها النووية على حساب العرب. فهل سيغدو التعاون العلني أمراً محتماً في العام المقبل، وهل ستتكشف الاتفاقات غير المكتوبة في التفاهم النووي مع الغرب في شأن الموقف من إسرائيل؟
وعلى صعيد العلاقات مع مصر بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، نجد أن الجانبين ملتزمان اتفاق السلام، بل تكررت بوادر حُسن النية المحسوبة من الجانب المصري، حيث لم تعترض القاهرة على زيارة البابا تواضروس القدس، وأعلنت القيادة السياسية قبل ذلك أنها ستدعم مسيرة السلام بقوات حفظ سلام في حال قيام دولة فلسطينية، لكنْ تعيق تنامي العلاقة في الاتجاه الصحيح أطماع قديمة جديدة في سيناء.
الخلاصة، هي أن الخلافات الداخلية في إسرائيل من جانب، وتضافر الجهود لتحقيق مصالحة فلسطينية والاستفادة من الخبرة التفاوضية المصرية وعودة الدب الروسي للوعي بدوره في المنطقة من ناحية أخرى، يمكن أن تغيّر خريطة التوازنات في شكل دراماتيكي حتى ولو استمر نتانياهو الذي يرتكن إلى حدّ بعيد على ضعف منافسيه وترويج الأساطير حول عداء إيران لإسرائيل وتشويه بل ومصادرة التاريخ الحقيقي للمنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً