أوباما وترامب
حسان يونس
يرى مفكر اللسانيات الأميركي البارز نعوم تشومسكي، أن الشعب الأميركي يتم تغييبه إعلاميا، شأنه شأن شعوب العالم الثالث، وأن الديمقراطية ليست إلا شكلاً من أشكال الديكتاتورية يتم عبرها إقناع الناس بأنهم يملكون حرية الاختيار، لذلك فإن الديمقراطية أمر مختلف تمامًا عن فكرة الاختيار الحر، بل هي النقيض تماما لهذا، فالمقصود فعليًّا هو أن يُمنع العامة من إدارة شؤونهم عبر إدارة وسائل الإعلام التي يجب أن تظل تحت السيطرة المتشددة.
ويذهب تشومسكي إلى أن للانتخابات «وظيفتين» في النظم الديمقراطية: الوظيفة الأولى منوط بها الطبقة المتخصصة، الرجال المسؤولون الذين يقومون بالتفكير وفهم التخطيط للمصالح العامة، ثم هناك أيضًا القطيع الضال الذي يُسمح له من وقت لآخر بتأييد أحد أفراد الطبقة المتخصصة، بمعنى آخر يُسمح لهم بالقول «نحن نريدك قائدًا لنا»، تلك هي الديمقراطية وهذه هي الانتخابات.
إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا أنتجت المؤسسة الأميركية أوباما؟
من الصعب تقديم إجابة شافية تأسيسا على ما ذهب إليه تشومسكي، وإن كان هذا النتاج سببه إقناع «القطيع» بأنه قادر على إحداث تغيير جوهري، عبر انتخاب رئيس من أصول إفريقية، وبهذا المعنى فإن نجاح دونالد ترامب يبدو مستحيلا، مع أنه يتصدر خيارات الناخبين الجمهوريين، والأرجح أن تكون هيلاري كلينتون هي الرئيسة المقبلة، لأن البديل لها، ونقصد ترامب، سوف يتناقض تماما مع ما يراه تشومسكي، إلا إذا كانت المؤسسة الأميركية قد فقدت توازنها أو سيطرتها تماما.
هذه المؤسسة سمحت بوصول رئيس من أصول إفريقية، وربما ستنقضي عقود طويلة قبل أن تتكرر هذه التجربة، على اعتبار أن فترتي رئاسته كانتا وبالا على السياسة الخارجية الأميركية، وعلى موقع الولايات المتحدة.
أوباما فيه بعض الشبه من غورباتشيوف، وإذا كان يعزى إلى هذا الأخير تفكيك الاتحاد السوفياتي، فإن أوباما لعب دورا مشابها عبر السماح لروسيا- بوتين باستعادة دورها كقوة عظمى، عن طريق ملء الفراغات التي تسببت بها سياسات أوباما، ما يعني أن أميركا بحاجة لرئيس مختلف قادر على استعادة المبادرة، وليس إلى رئيس من نوعية ترامب، ربما يقود إلى ما يشبه سياسات غورباتشيوف.
ألا يكفي مافعله أوباما؟.