تزييف الواقع
الحركة الصهيونية باتت تعيش قلقاً متواصلاً، فقد وصل مشروعها إلى حائط مسدود، وبدأ العد العكسي على مستوى تحقيق أهدافها. فهي في حيرة من أمرها بين أن تمنع قيام الدولتين، وأن تتجنب قيام الدولة الواحدة. فالفلسطينيون أكبر من أن تتخلص منهم، بمقاومتهم، وبتضحياتهم، وبعنادهم. وهي كما تراقب عجزها في فلسطين بالرغم من كل البطش والتنكيل، فهي تراقب تدهور قيمتها في حاضنتها المتمثلة بالدول الغربية.
لقد بدأت تزعجها حقاً حركة مقاومة احتلالها التي تتخذ أشكالاً مختلفة من بينها مقاطعة سلع مستوطناتها وجامعاتها. وبالرغم من أن هذه المقاطعة قد لا تكون مكلفة كثيراً من الناحية المادية خصوصاً وأن رعاتها يمكنهم أن يغلقوا الفجوة، لكن خشيتها الوعي العميق الذي بدأت تحفره حركات المقاطعة ضدها في العقل الأوروبي.
فهو حفر متواصل يقلقها أن يصبح نهراً هداراً يؤثر في صانعي القرار في حاضنتها. هذا القلق يدفع الحركة الصهيونية لكي تجند كل أدواتها وتحفز كل المتعاونين معها. وقد كان لبعض حركتها في فرنسا التأثير الملحوظ، مثلاً حين يتصدى رئيس الوزراء الفرنسي بالتحذير من أن انتقاد إيديولوجية الكيان الصهيوني أصبح ينظر إليه كعداء للسامية.
وفي هذا القول مغالطة كبيرة، فحركات المقاطعة تستهدف السلع التي تنتجها المستوطنات التي تعتبر وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة غير شرعية، وهي تقاطع الجامعات التي تكرس عملها لخدمة قوات الاحتلال. فعمل المقاطعة هو ضد من ينتهكون المبادئ الإنسانية والشرعية الدولية، فكيف يمكن اعتبار ذلك عداء للسامية؟
هل غيرت فرنسا موقفها وأصبحت ترى في الاستيطان أمراً مشروعاً؟ وهل أضحت ترى في خلق الوقائع على الأرض من قبل سلطات الاحتلال مسألة مقبولة؟
هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن تطرح على المسؤولين الأوروبيين. أما الالتفاف على هذا الموضوع من حيث تجاهله واعتبار أن المسألة انتقاد لإيديولوجية الكيان الصهيوني، فهو تضليل من جانبين، أولاً بنقل المسألة من مقاطعة أفعال إلى انتقاد إيديولوجية، وهو تضليل من جانب آخر لأنه يجعل العقيدة الصهيونية صنو لليهودية.
ومعظم من له بعض الدراية في الحركة الصهيونية يعرف بأن الكثير من اليهود لم ينخرطوا بها ابتداء بل إن الكثيرين في البداية اعتبروها مناقضة لليهودية، وما زال البعض يقول بذلك. فالحركة الصهيونية لا علاقة لها بالدين اليهودي سوى استغلاله تماماً كما تفعل «داعش» التي لا تربطها بمبادئ الإسلام إلا زعمها.
التصريح الفرنسي لن يحمي الصهيونية ولكنه سيسيء إلى السمعة الفرنسية لأنها بتجريم من يقف ضد انتهاك الشرعية الدولية تجعل نفسها شريكاً في الانتهاكات وفي الحط من القيم والمبادئ الإنسانية، بل ومن قيم ومبادئ الثورة الفرنسية.