بالاذن روسيا.. والقنطار
علي نون
لم يشأ الناطق الرسمي باسم الكرملين التعليق على اغتيال سمير القنطار، وأحال الأمر على وزارة الدفاع الروسية.. التي بطبيعة الحال بقيت صامتة! ولم يشأ الأمين العام لـِ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله بدوره التعليق على الموضوع الروسي في سوريا، تاركاً الأمر الى مناسبة أخرى، في وقتها ومكانها المناسبين.
والتعفف عن الكلام عند الطرفين لا يعني سوى ضمور الكلام… الذي يعكس في الدارج المحكي كما بالفصحى، الإحراج المتبادل.. وأي إحراج؟!
كان واضحاً، ومنذ بداية «الانزال» الروسي في النكبة السورية (وعليها) أن هذا المعطى المستجد، سيصدّ أزمة قد تكون عاجلة وكبيرة، هي انهيار آخر دفاعات الرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أولاً وفي «ضواحي» ركنه الشمالي ثانياً، لكنه سيؤسس لأزمة كبيرة بدورها بين طهران وموسكو تتعلق بالأدوار والأحجام والسياسات والغايات والقرارات، وهذه لن تبقى طويلاً مطمورة، طالما أن أسباب تشظّيها أكبر من تلك التي يجمعها شعار «مصير الأسد»!
لم يكن هيّناً على إيران، قبل أعدائها وأخصامها في سوريا وبسببها، أن تجد الروسي يحصد ما زرعته هي هناك. وأن يأتي بشروطه وليس بشروط غيره. وأن يفرض تلك الشروط ولا «يساوم» عليها. وأن يبدأ مباشرة، في استثمار حضوره لحسابه الخاص وليس لحساب غيره.. وأن يصادر القرار السياسي بعد أن صادر القرار العسكري بـ«عاصفة السوخوي»!
وذلك تعرفه وعرفته إيران منذ اللحظات الأولى، وكابرت! وزبدة معرفتها هي انه لولا عجزها عن الاستمرار في حرب الاستنزاف الدائرة على الأرض السورية، ولولا وصولها الى نقطة الاقتناع باستحالة تعديل الميزان بالقوة والنار لما وجدت نفسها مضطرة الى دعوة موسكو للتدخل، ولما قبلت بعد ذلك، أن يكون ذلك التدخل محكوماً بـ«أجندة» زعيم الكرملين وحده!
وتلك «الأجندة»، هي التي لا تني تقدم يوماً تلوَ الآخر، ومنذ أواخر أيلول الماضي، كل ظواهر الكارثة بالنسبة الى إيران وميليشياتها المذهبية التي أحضرتها الى سوريا، وورّطتها في حرب مستحيلة هي كسر إرادة ثورة وطنية حقيقية، لا تغيّر كثيراً في طبيعتها التوصيفية هذه، أدوار الخارج فيها، ولا خطف بعض نواحيها وبعض أرضها وبعض ناسها، من قبل «إرهاب» موبوء ومشبوه ووظائفي قبل أن يكون مؤدلجاً.
أجندة بوتين، التي فيها العنصر الإسرائيلي، طاغياً وأساسياً ومتمكناً، حتى بالمعنى الثقافي والاجتماعي والأسري! يمكن أن تلحظ بناء علاقات صحية مع إيران، من دون أن تصاب بأي خلل، طالما أن الأمر طبيعي في العلاقات الدولية بكل تفاصيلها ووظائفها.. لكن لا يمكن أن يسري ذلك في المواقع الحارة والمتفجرة مثلما هو الحال في سوريا. أي، يستحيل على الروسي، أو الإيراني، الاستمرار في ادّعاء جودة العلاقة بينهما، طالما أن العنصر الإسرائيلي حاضر الى ذلك الحد بينهما! وطالما أن موسكو قدّمت وتقدّم على مدار الساعة كل المؤشرات والمعطيات الدالة على ان لإسرائيل «أولوية» على غيرها في سوريا! وتلك الأولوية بدورها، تخضع لشروط تل أبيب، أكثر مما تخضع لشروط الكرملين.. وهذه تشتمل كما هو معروف ومعلن، على مواجهة مفتوحة مع إيران و«حزب الله»!
لم يطل الأمر بإيران و«حزب الله» قبل أن يكتشفا حجم هذه الورطة.. وطبيعة «الأجندة» التي يتصرف بوتين استناداً إليها، والتي جعلت من الغارات الجوية الإسرائيلية في الداخل السوري أمراً روتينياً الى هذا الحد!.. هذه الأجندة أصابت الروسي بالخرس إزاء اغتيال القنطار وصولاً الى الامتناع عن إدانة أو استنكار العملية! وتصيب محور إيران بالحرج والارتباك وصولاً الى امتناع نصرالله عن الإشارة ولو بكلمة واحدة، الى دور موسكو في سوريا المدعَّم بصواريخ «أس 400»!!
قيل سابقاً ويُقال مجدداً، ان أول من سيدفع ثمن التدخل الروسي سيكون الشعب السوري، لكن الثاني سيكون من استدعى ذلك التدخل!