دعم الانتهاكات
الكيان الصهيوني مشروع غربي بامتياز، في نشأته، وفي استمراره، وفي حمايته. الدعم الغربي كان أحياناً يحاول أن ينأى بنفسه عن الانتهاكات «الإسرائيلية» للقانون الدولي، وكان يحاول أحياناً أن يبتعد عن تأييد الجرائم الواضحة للكيان وإن لم تغب تبريراته لهذه الجرائم.
الآن على ما يبدو لم يعد باستطاعة الغرب أن يختبئ وراء الازدواجية في سلوكه تجاه القضية الفلسطينية. أوضح أمر على ذلك هو موضوع الموقف من مقاطعة البضائع والاستثمار في المؤسسات «الإسرائيلية» التي تدعم مواصلة الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
هذه المقاطعة نشأت لأن كثيراً ممن يعتقدون حقيقة بحقوق الإنسان، وممن يعملون حقاً للدفاع عن الشعوب المظلومة أن استمرار الاحتلال إهانة لكل المبادئ التي يعتقدون بها. ولهذا ابتدعوا فكرة المقاومة من أجل تعميق الوعي العالمي بهذا الظلم، وكذلك لممارسة الضغط على الكيان وعلى بلدانهم أيضاً من أجل إنهاء هذا الاحتلال.
لم تكترث البلدان الغربية لخطوات هؤلاء الشرفاء في الغرب ظناً أنها ستكون محدودة الأثر، ولن يشعر بأثرها لا العالم ولا الكيان الصهيوني. وقد خاب ظنهم حينما رأوا أن هذه المقاطعة بدأت تعطي أكلها، وأصبحت مصدر إزعاج حقيقي للكيان ولهم في نفس الوقت.
ولذلك، بدأت البلدان الغربية من خلال مؤسساتها تعمل من أجل مقاطعة هذه المقاطعة، وإجهاضها من خلال إصدار القوانين التي تمنعها. ففي الولايات المتحدة بدأت بعض الولايات بإصدار تشريعات تمنع الاستثمار في المؤسسات التي تشارك في مقاطعة الكيان الصهيوني. أما الآن فإن الحكومة البريطانية قد اقترحت تشريعاً لمواجهة مقاطعة الاحتلال الصهيوني.
والوقاحة في مثل هذه التشريعات المقترحة هي التبريرات المقدمة لها. فهي من جهة تقول إن هدفها «وقف المقاطعة التي تقف من ورائها أهداف سياسية والتي تقوم بها مجالس المدن لأنها تؤذي الصناعة العسكرية و«إسرائيل»». وهذا التبرير غريب لأن المقاطعين ليست لديهم أهداف سياسية خاصة بهم يسعون لتحقيقها، وإنما ينطلقون من مبدأ أن الاحتلال ونتائجه المناقضة للقانون الدولي ينبغي أن تزول. فأهدافهم تتعلق بالعدالة، وتتصل بحقوق الإنسان. وتحقيق العدالة في فلسطين، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني أصبحت أهدافاً سياسية لدى قطاعات واسعة من الشعب البريطاني.
والأغرب في التبرير أن الجانب البريطاني الرسمي يقول إن مقاطعة منتجات الاحتلال تؤذي المصالح البريطانية في العالم. فمنذ متى يصبح الالتزام بالقانون الدولي إضراراً بمصالح البلدان، وإلا فما الحاجة إليه؟
يبدو أن البلدان الغربية في مسيرة ضعفها لم يعد لديها رفاهية الادعاء بالدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، وهي بالتالي لم يعد يهمها أن تظهر بموقف المعادي لها.