اراء و أفكـار

شياطين التفاصيل

صحيح أن القرار 2254 الذي صدر عن مجلس الأمن قبل ثلاثة أيام بشأن التسوية السياسية في سوريا، حدد الخطوط العريضة للتسوية وآلياتها، واعتبره البعض بمثابة خريطة طريق، إلا أن ذلك لا يعني أن الطريق مفروش بالورود، وأن التسوية باتت في متناول اليد.
القرار مجرد خطوة أولى على طريق شاق وطويل، وكل جملة ونقطة وفاصلة تحتاج إلى جهد ومثابرة كي تحظى بالموافقة والإجماع، لأن المتفاوضين سوف يحضرون إلى الطاولة ولكل منهم وجهة نظر وخلفية وأمل بتحقيق أكبر قدر من المكاسب كي يظهر أنه المنتصر، خصوصاً أن هناك طرفاً إقليمياً أو دولياً يدعمه ويسعى من خلاله أن يكسب في المفاوضات ما عجز عن تحقيقه في الميدان، وبالتالي أن تكون له كلمة في تقرير مستقبل سوريا لقاء استثماره الطويل في الجهة التي دعمها أو مولها وسلحها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هناك خلافات ووجهات نظر متضاربة لا تزال قائمة حول قضايا خلافية لم يحسمها القرار، وظلت معلقة إلى مراحل أخرى، قد تكون هي الشياطين التي تكمن في التفاصيل، مثل مسألة مستقبل الرئيس السوري، حيث هناك وجهة نظر تقول بأن مستقبله يحدده الشعب السوري فقط عبر صناديق الاقتراع، ووجهة نظر أخرى ترى أن لا دور له في المرحلة الانتقالية التي حددها القرار بسنة ونصف السنة، ووجهة نظر ثالثة لا تمانع في أن يكون له دور في التسوية وفي المرحلة الانتقالية باعتباره جزءاً من الحل وشريكاً أساسياً في المفاوضات.. هذه قضية لم تحسم بعد وظلت معلقة، باعتبار أن الاتفاق كان جماعياً ، على أن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب.
والقضية الخلافية الأخرى تتمثل بتحديد المنظمات الإرهابية التي تستبعد من المفاوضات ويصار إلى مواجهتها، وتلك المنظمات التي تصنف على أنها معتدلة وستنخرط في المفاوضات وفي مواجهة الإرهاب. والتوصل إلى فرز حقيقي لهذه المنظمات يحتاج إلى جهد استثنائي وقبول من الجميع بأن الإرهاب هو إرهاب وليس هناك من إرهابي خبيث وآخر حميد.. أما الفصائل المعتدلة فمعروفة بوجهيها السياسي والعسكري.. وهذه قضية تحتاج إلى تسوية سريعة كي يصار إلى حسم مشكلة المشاركين في المفاوضات التي من المفترض أن تبدأ مطلع الشهر القادم، خصوصاً أن بعض التنظيمات التي تحمل مسميات إسلامية وتتبع لهذه الدولة أو تلك ترفض أساساً ومن حيث المبدأ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر فيينا بأن تكون سوريا «دولة ديمقراطية وعلمانية».. فكيف لمثل هذه التنظيمات أن تشارك في صياغة مستقبل سوريا على أساس ديمقراطي وعلماني؟
القرار 2254 وضع الأسس وحدد الإطار، مثل المهندس الذي يقيس المساحة ويرسم خريطة البناء ويحدد شكله ومقاسه.. لكن يبقى أن عملية استكمال البناء تحتاج إلى بنائين مهرة ومحترفين.. إلى وضع الأساسات بشكل صحيح وسليم لجعلها قادرة على تحمل البناء والعوامل الطبيعية.
عملية الانتقال من حال الحرب إلى حال السلم ليست سهلة، هي عملية معقدة خصوصاً من جراء العوامل الداخلية والخارجية التي دخلت عليها بعد أن تحولت سوريا إلى ساحة للصراعات بكل أشكالها المحلية والإقليمية والدولية والطائفية والمذهبية، وتفكيك كل هذه العوامل يحتاج إلى جهود مضاعفة ومثابرة وصبر وإرادة وصدق.. فهل سيتوفر كل ذلك؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً