اراء و أفكـار

ثقافة الموت والانتحار

ثقافة الموت هي النقيض الطبيعي لثقافة الحياة. هي تجافي حقيقة أن الله خلق الإنسان كي يعيش وينعم بالحياة وأن يكون جزءاً من منظومة اجتماعية وإنسانية ويبني ويعمر ويبدع، ويكرّس طاقته وقدرته من أجل الخير والعدالة والمساواة والمحبة.
يتميز الإنسان بالعقل المتطور خلافاً لجميع الكائنات، فيستعمل عقله في التفكير والاختيار كي يميز بين الخير والشر وبين السلبي والإيجابي.. هذا من حيث طبيعة الإنسان وكيف يجب أن يكون، لكن يحدث أن يحصل انفصال بين هذه الطبيعة الإنسانية وبين بعض البشر في الجانب السلبي من سلوكهم الذي يتمثل بالعنف والقسوة والنفاق والغدر والحقد والكراهية، وهي قيم تتعارض بالمطلق مع ما يعرف بالقيم الإنسانية، أي القيم المنسوبة إلى الإنسان الذي هو خليفة الله على الأرض، وخلقه على أحسن تقويم من أجل عمارتها وليس تدميرها.
وثقافة الموت هي التي تقترب بالإنسان من الحيوانية، وهي ثقافة معادية للحياة وكارهة لها ولا تقيم وزناً للإنسان وحياته وكرامته وتسترخص دمه وتضحي به في مشاريع خيالية وأفكار شيطانية على مثال ما تطرحه وتنفذه المنظمات الإرهابية على شاكلة «داعش» و«جبهة النصرة» ومن لف لفهما، من ادعاءات منسوبة للدين الإسلامي وممارسات همجية يأنف أن يقوم بها الحيوانات، ولم يحصل من مثيل لها في أكثر العصور البشرية انحطاطاً.

هذه المنظمات الكارهة للحياة لا شك أنها مصابة بعطب فكري ومفاهيمي ونفسي وتكويني ما ألحق بها العمى المطلق، الإنساني والديني والفكري، ولم تعد ترى في الحياة إلا الجانب المظلم الذي لا يقوم إلا على الحقد والكراهية والموت والانتقام من الجنس البشري الذي ترى فيه عدواً لأنه يحب الحياة.
ثقافة الموت المعادية للبشرية تتمثل في أبشع تجلياتها مع ما نراه يومياً من أعمال قتل وتفجير وجز أعناق وتمثيل بالجثث واستخفاف بحياة الإنسان، من دون اعتبار لحق الإنسان بالحياة التي منحها الله ولا يحق لأحد سواه بأخذها.
منظمات إرهابية صناعتها الموت فقط وتدمير ما بناه الإنسان، وتشويه الدين وما يمثله من قيم، لا تستحق أن تبقى لأنها تشكل خطراً على هذا الكون والحضارة الإنسانية، لكن ذلك يستدعي قبل أي شيء آخر اجتثاث الفكر الذي تقوم عليه لأن مواجهة الفكر أصعب بكثير من مواجهة من يحملونه. فالفكر ليس شيئاً مادياً يمكن قتله بالسلاح، إنما بفكر مضاد قائم على الحقيقة وقادر على مقارعة الحجة بالحجة وتفنيد سوءاته ومخاطره.. وهذه مسؤولية إسلامية بالدرجة الأولى لأن المنظمات الإرهابية تستند في ممارساتها إلى ما تعلمته من بعض موروث إسلامي يروج له بعض الدعاة وأشباه رجال الدين، يشوه الدين الإسلامي، ويقدمه للعالم بأسوأ صورة، وتكون التداعيات كارثية..كما نرى الآن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً