اراء و أفكـار

العراق على مفترق طرق

يشهد العراق نهاية الشهر الحالي انتخابات تشريعية يصفها خبراء السياسة العراقيون بأنها انتخابات مصيرية,سيكون لها مابعدها من تداعيات على مستقبل هذا البلد العربي الذي لم يذق شعبه طعم الاستقرار منذ ثلاثة عقود ونيف. تأتي الانتخابات في وقت تشهد فيه العراق أخطر موجة عنف,حيث تقترب حكومة بغداد من فقدان السيطرة على معظم المناطق الغربية والشمالية من البلاد لصالح الجماعات المتطرفة,وتنهار على نحو متسارع الأوضاع الأمنية والمعيشية في مدن ومحافظات البلاد.وأخطر من ذلك تصاعد نزعة الانفصال في أكثر من اقليم عراقي. هذا هو حصاد 8 سنوات من تفرد رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في الحكم,على مايؤكد ساسة عراقيون من مختلف الطوائف والمذاهب حاورهم كاتب المقال في اربيل قبل أيام.

المالكي الذي لايسمح له القانون بتشكيل حكومة للمرة الثالثة ينوي التحايل على هذا المانع ليتسنى له البقاء بالسلطة لأربع سنوات مقبلة.

بالنسبة للتيار العريض من القوى السياسية العراقية يعد هذا الأمر خطا أحمر,اذا ما أصر المالكي على تخطيه,فان العراق ماض الى الانهيار على حد قول سياسي كبير من الطائفة الشيعية.

الزعيم الكردي ورئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني,لايتردد بالقول ان الأكراد لن يصبروا على حكم المالكي من جديد,وفي حال أصر على الترشح لرئاسة الحكومة,فان كل الخيارات تصبح متاحة بما فيها خيار الاستفتاء على الانفصال عن العراق. ولذلك ينصح البرزاني باختيار بديل للمالكي من أبناء الطائفة الشيعية لقيادة العراق في المرحلة المقبلة.

مكونات أساسية في العملية السياسية من أبناء الطائفة الشيعية في مقدمتهم التيار الصدري وحركة متحدون,تشاطر الأكراد موقفهم,هذا الى جانب الأغلبية الساحقة من العراقيين السنة,الذين يعانون اليوم من بطش قوات المالكي,وتهميش اقتصادي وسياسي لمناطقهم.

لكن وجود المالكي في السلطة وتحكمه بثروات العراق يمنحه نفوذا كبيرا وهامشا واسعا لكسب أصوات الناخبين بطرق ملتوية وغير شرعية وعلى حساب أموال الخزينة العراقية.

هناك جهود كبيرة تبذل لبلورة تحالف انتخابي عريض للحؤول دون حصول تيار المالكي على الأغلبية في البرلمان الجديد,لكن النتائج غير مضمونة في ضوء الظروف الأمنية السائدة,والدعم الاقليمي الذي يحوز عليه المالكي من الخارج.

المشهد العراقي يشي بمخاطر كبيرة اذا ما دانت السلطة للمالكي من جديد. العراق على وشك التفكك,وهو حسب وصف البرزاني اليوم«سلطة فاشلة« لم تعد قادرة على ضمان وحدة البلاد واستقرارها.

الجماعات المتشددة توسع من دائرة نفوذها كل يوم,وضمن خططها المستقبلية السيطرة على مصفاة«بيجي« النفطية,أكبر مصافي العراق والتي تزود 11 محافظة باحتياجاتها من الطاقة. واذا ما تحقق لها ذلك,فان المناطق الغربية والشمالية ستصبح رسميا خارج سيطرة الدولة. ومنذ يومين فقط تمكنت تلك المجموعات من السيطرة على محطة رئيسية للمياه قرب الفلوجة تزود خمس محافظات بحصتها من المياه.

قوى عراقية كبيرة تحاول تدارك الانهيار من خلال حملة اتصالات واسعة تجريها مع مراكز النفوذ السياسي والمرجعيات الدينية المؤثرة لاقناع المالكي بالتنحي,وعدم جر العراق لحمام دم جديد.وقد تسفر هذه الجهود حسب ساسة عراقيين عن موقف حاسم من طرف مرجعية النجف تحديدا,ما يدفع المالكي لمراجعة حساباته.

لكن التشاؤم يسيطر على عديد القوى السياسية في العراق,وثمة شعور عام بأن العراق مقبل على أيام صعبة,وكأن ما مر فيه من ويلات وعذابات لايكفي لردع الطامعين عن مواصلة لعبة الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً