اراء و أفكـار

محافظو إيران .. الخطابة ضد أمريكا والفعل ضد الجوار!!

ياسر الزعاترة

من يتابع وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، بخاصة تلك القريبة من دوائر المحافظين؛ وأكثرها كذلك، سيعثر على خطابة استثنائية ضد أمريكا لم تكن موجودة قبل اتفاق النووي. من خامنئي شخصيا، وحتى الفريق العسكري، وجماعة الحرس الثوري والباسيج، وليس انتهاءً بنجم المحافظين المزروع في حكومة روحاني (عبداللهيان)، فضلا عن البرلمانيين وغيرهم، تتلبس القوم حالة من إثبات العداء لأمريكا والكيان الصهيوني، ولذلك باتوا يبالغون في الخطابة ضدهما على نحو لم يكن يحدث من قبل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو تفسير هذه الظاهرة، ولماذا يتصاعد خطاب التحريض بدل أن يتراجع بعد اتفاق النووي؟ ما ينبغي أن ينتبه إليه المعنيون هو أن كل هذه الخطابة ضد أمريكا كما نتابعها منذ توقيع اتفاق النووي، لم تجد أية ردة فعل من الدوائر الأمريكية، بل يتم تجاهلها بالكامل، وكذلك الحال بالنسبة للكيان الصهيوني. هناك أكثر من بُعد يمكن الحديث عنه في تفسير الظاهرة المشار إليها، أعني تصعيد الخطابة ضد أمريكا والكيان الصهيوني، لعل أولها هو ذلك المتمثل في الحاجة إلى هذا الخطاب لتسويق وتبرير معارك إيران في المحيط، وفي المقدمة سوريا ولبنان والعراق، أي العواصم التي تفاخروا بأنها صارت تحت سيطرتهم. الأتباع أيضا بحاجة إلى هذا الخطاب، فلديهم إلى جانب غالبية أبناء الطائفة أعدادا لا بأس بها من اليساريين والقوميين، يحتاجون هذا الخطاب لتبرير وقوفهم إلى جانب إيران ومعاركها. البعد الآخر يتعلق بأمريكا ذاتها، وبالكيان الصهيوني أيضا، والرسالة الإيرانية مفادها أنه لا يجب الاعتقاد بأن اتفاق النووي سيتبعه تطبيع كامل، ولا بد أن يكون للجزء الأخير ثمنا آخر من النفوذ الإقليمي، أي أن إيران تعول على صفقة أخرى تتبع النووي، يكون ثمنها وقف الخطاب العدائي، لا أن يتوقف الخطاب مقابل مجرد توقيع الاتفاق، وما سيترتب عليه من إنهاء تجميد أموال ورفع للعقوبات، بخاصة أن جدلا لم يتوقف حول هذا البعد الأخير، وما إذا كان ينبغي أن يتم فورا أم على مراحل. ثمة بُعد ثالث لا يقل أهمية، بل لعله الأهم، يتعلق بالصراع الداخلي بين الإصلاحيين والمحافظين، إذ أن الظهور بمظهر أن المحافظين قد تركوا خطاب العداء لأمريكا وإسرائيل بعد اتفاق النووي، سيؤكد فشل مشروعهم الذي كان سببا في العقوبات، وسيعني أنهم غامروا بمشروع سياسي أكبر منهم انتهى به الفشل، بما في ذلك مشروع النووي الذي لم تكن إيران في حاجة إليه أصلا، في حين كان الاتفاق الموقع معروضا منذ ما قبل 2010، ولم يقبلوا به إلا تحت وطأة النزيف في سوريا والعراق، وتاليا اليمن. الأهم من ذلك كله هو شعور المحافظين بأن مخطط أمريكا يقوم على تغيير “ناعم” في الداخل الإيراني، على شاكلة غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي، وذلك عبر تحسين فرص الإصلاحيين في الإمساك بالسلطة من خلال إنجاح مشروعهم في استقطاب الجمهور. وعلى هذه الخلفية يكثر حديث خامنئي وعموم المحافظين عن “الحرب الناعمة” التي يشنها الغرب على إيران، مع لمز متواصل من قناة الإصلاحيين، وصل حد الهجوم المباشر في الأسابيع الأخيرة. في مقابل هذا الخطاب التصعيدي مع أمريكا وإسرائيل، نجد ممارسة هستيرية ضد الجوار، مع خليط من خطاب التهديد والوعيد بحق بعض الدول العربية، لا سيما السعودية وقطر، ومن الإسلامية تركيا. هنا في حالة الجوار يختلط خطاب التصعيد، مع العدوان المباشر كما في الحالة السورية واليمنية، وكذلك العراقية، وصولا إلى اللبنانية. والنتيجة أن إيران تبدو ذاهبة نحو تفاهمات مع أمريكا وإسرائيل، اليوم أو غدا، وذلك بدل أن تذهب نحو تفاهمات مع المحيط العربي والإسلامي، وإذا اعتقدت أن ذلك سينفعها فهي واهمة، فمصير هذه المنطقة ليس بيد أمريكا حتى تعطي منها ما تشاء لمن تشاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً