اراء و أفكـار

الغرب والإرهاب

احمد برقاوي

يعيد تعرض باريس لعمليات إرهابية مجرمة إلى الأذهان السؤال الذي كنّا طرحناه سابقاً ونطرحه الآن؟ كيف يمكن لك أن تواجه الأعراض دون مواجهة الأسباب؟

، لقد أشاعت الدكتاتوريات العسكرية – الأمنية ثقافة القتل ونفي الآخر، إفقار وقمع وفساد وتحطيم قيم الحياة والحريّة والعقل، كل هذا لن ينتج إلا نوعين من رد الفعل : رد الفعل العقلاني الإنساني المدني لتغيير واقع الحال، وهو رد فعل الأكثرية، ورد الفعل الأصولي الإرهابي كرد الفعل الداعشي وما شابهه.

لقد واجهت السلطات العسكرية – الأمنية بآلة قمعها رد الفعل السلمي المدني بعنف شديد، فحرمت المجتمع من أن يعبر عن ذاته وعن حبه للحياة الكريمة الآمنة، وزرعت فيه الخوف والخنوع، ظناً منها أنها قادرة على تحطيم إرادته وآماله.

هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد جردت آلة أمنها للتعامل مع الحركات العنفية الإرهابية بمنطق الإرهاب نفسه، بل وهناك من الدول التي بنت علاقة مع الإرهاب لتوظيفه في خدمتها، كما حصل بقيام إيران بدعم تنظيمات مسلحة داخل بلداننا موالية لها لتخريب نسيج الوطن الداخلي كما هو حاصل في اليمن ولبنان والشام.

لقد وقف الغرب وأميركا موقف المتفرج على ما يجري في أوطاننا، باذلاً جهوداً أمنية للحيلولة دون وصول خطر الإرهاب إلى بلدانه، معتقداً أنه في ذلك سيكون بأمن منه، مع انه هو الذي صاغ مفهوم العالم بوصفه قرية كونية.

إلى أن كان الحدث الإرهابي القاعدي الأخطر في أميركا، بتدمير برجي التجارة.

لم يكن رد الفعل الأميركي على أحداث الحادي عشر من سبتمبر صادراً عن نظرة فلسفية ثقافية اقتصادية لمواجهة قضية كبيرة كقضية الإرهاب وتجاوز أسبابه ونتائجه، بل كان رد فعل عسكرياً فقط تم بموجبه احتلال أفغانستان والعراق، وترك إيران تعبث بهذين البلدين وغيرها من البلدان.

بل إن السياسة العبثية التي سلكتها في العراق وخلقها لشروط الاحتراب الطائفي وإطلاق يد إيران فيه لتحطيم نسيجه الوطني، وتشكيل الميليشيات الطائفية الحاكمة قد أضاف شروطاً جديدة لاتساع دائرة الإرهاب. والتي أدت، أي هذه الشروط الجديدة، إلى ظهور الحركة الإرهابية الأخطر ألا وهي داعش.

وَمِمَّا زاد الطين بِلةً، أن الغرب وأميركا لم ينظرا باهتمام الى انفجار الربيع العربي، وبخاصة في اليمن وسوريا، وظل مصعراً خده لما يجري في العراق، ولم يلتفت الى العبث الإيراني فيه. لم يتعاون مع دول المنطقة المستقرة وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا لحسم المسألة السورية، بل وضع العراقيل أمامها في سعيها لإيجاد حلول عملية لمأساة الشعب السوري.

وهكذا حافظ على شروط إنتاج الإرهاب في هذه البلدان، مرة أخرى ظناً منه انه في منأى منه. فكان من أمر داعش ما كان في كل من سوريا والعراق، ولولا إسراع التحالف العربي في مساعدة اليمن لكان الأمر فاجعياً، وبقيت إيران بميليشياتها في هذه البلدان تؤجج الصراع الطائفي وتضيف شرطاً أساسياً لانتشار الإرهاب.

وهكذا، فإن الإرهاب الذي ضرب فرنسا ليس إلا ثمرة سياسة لم تنظر إلى الخطر العالمي الذي يشكله إضراب المنطقة واتساع ظاهرة الإرهاب فيها، لم ينظر إلى الخطر الإيراني الذي يهدد استقرار الدول، لم ينظر إلى خطورة السياسة العنصرية الإسرائيلية ضد فلسطين وأهلها.

لقد آن الأوان لسياسة واستراتيجية جديدة مشتركة عربية – أميركية – أوروبية تنظر بجدية إلى المسألة السورية وإلى المسألة العراقية، وإلى المسألة السورية، سياسة واستراتيجية تتناول الشروط الموضوعية للإرهاب، وتساعد في إنتاج حلول عملية تؤدي إلى قيام الدول الطبيعية القائمة على العقد الوطني وعلى إنتاج سلطة العقد الاجتماعي. ورسم استراتيجية تنمية مستدامة تَخَلَّق الأمل لدى الأجيال القادمة.

دون ذلك فإن الإرهاب سيظل يقتات من السلط الفاشلة والدول الفاشلة في سوريا والعراق وليبيا ولبنان، ومن السياسة الإيرانية الرعناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً