اراء و أفكـار

مابعد قمة العشرين

قمة العشرين التي انعقدت في تركيا على وقع الزلزال الإرهابي الذي ضرب باريس لم تكن من حيث نتائجها بالحجم المأمول الذي يفرضه حجم رد الفعل لمواجهة الإرهاب، خصوصاً أنه لم يعد خيالياً أو افتراضيا، بل هو يدق كل الأبواب ويتسلل إلى كل العواصم ومن كل المنافذ.
كان يفترض ألا يكون ما بعد زلزال باريس كما قبله، لأن ما حصل كان يستدعي من المجتمعين في تركيا مقاربات جديدة لمواجهة حرب كونية أعلنها الإرهاب على البشرية والحضارة وعلى كل المنجزات الاقتصادية والعلمية والثقافية.. لكن الذي حصل أن قمة العشرين أصدرت ما يشبه «بيان نوايا» حول الإرهاب، وكمية من التصريحات التي لا تصد إرهابا ولا تحمي بلداً من خطره.
كان يفترض أن يعلن المجتمعون أن الحرب على الإرهاب هي البند الوحيد أمام العالم في هذه المرحلة، وأن لا أولوية قبله أو بعده.. وأن كل الجهد يجب أن يتجه لوضع استراتيجية عالمية توحد الإمكانات والقدرات لهزيمة الإرهاب أينما كان.
لكن يبدو أنه رغم ما حصل في باريس ونواقيس الإنذار والتأهب التي تدق في عواصم العالم، والتهديدات العلنية والمباشرة من تنظيم «داعش» الذي يتوعد بأن هجمات الإرهاب لن تتوقف، وأن دولا وعواصم أخرى مدرجة على لائحة الدم، فإن حسابات المجتمعين ومصالحهم تغلبت على حق الشعوب في أن تنعم بالأمن والسلام والحرية، وتتخلص من كوابيس الإرهاب التي باتت تؤرق حياتهم في منازلهم ومدارسهم وأعمالهم وشوارعهم.
وكأن المجتمعين في قمة العشرين كانوا في عالم آخر، ذلك أن مئات الضحايا الذين سقطوا في باريس وبيروت وصحراء سيناء وفي المدن العراقية والسورية والتركية وأولئك الذين على الطريق مجرد أصفار لا قيمة لها طالما أن استثمارهم في الإرهاب لم ينته مفعوله، وطالما أنهم يستطيعون ممارسة اللعبة المزدوجة إياها في التهرب من تحديد الإرهاب وفي تبريره.. وفي الإصرار على مواقف قديمة وعقيمة أثبت الميدان أنها لم تعد صالحة للاستعمال لأن التطورات تجاوزتها وخطر الإرهاب غمر الجميع.. وبلغ سيله الأعناق وليس الركب فقط.
ما خرجت به قمة العشرين لا تشي بأن هناك جدية حتى الآن في مواجهة الإرهاب، وأن الانقسام هو سيد الموقف، وأن الرؤى متباعدة تجاه تحديد المنظمات الإرهابية، وأيضاً تجاه وسائل مواجهتها.. وأن هناك من لايزال يراهن ويأمل ويدعم ويمول.. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فلن نفاجأ بعمليات إرهابية في أي مكان على وجه الأرض.. وفي أي عاصمة وأي بلد ومن حيث لا نحتسب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً