اراء و أفكـار

إسرائيل.. لعبة الدم والندم

رشاد أبو داود

الفيل لا يقتله فيل مثله، ولا رصاصة واحدة أو حتى قذيفة، الفيل تقتله نحلة تخترق أذنه، تواصل الطنين حتى يغشى عليه ويموت. مع فارق التشبيه فإن ما يفعله الفلسطينيون بإسرائيل لم تستطع فعله جيوش على مدى عقود. فالانتفاضة متواصلة للأسبوع الثالث على التوالي، الشبان الفلسطينيون يقبلون على الاستشهاد بشهية المقبل على عرسه، الأمهات يزغردن بفرح أسود على موت أبنائهن، والمشيعون يهللون ويكبرون فيما وجوه أغلب الشهداء تضيئها ابتسامة لكأنهم أقمار أبدية ذاهبة للخلود في ذاكرة سماء الوطن.

الإسرائيليون المدججون بأحدث الأسلحة مرتبكون.

عدوهم في قلبهم وهم في قلب العاصفة، طائراتهم تستطيع قصف أهداف بعيدة، لكنها لا تستطيع قصف شاب يحمل سكيناً في القدس التي ادعوا أنها عاصمتهم الأبدية، فإذ بحجارة القدس ترجم محتليها وأزقتها تلد أجيالاً تلعن المحتلين بالنعال والحجارة والسكاكين.

ومن المؤكد أن لديهم أسلحة أخرى إذا ما استمر الصهاينة في البقاء في أرض هم يدركون أنها ليست أرضهم، وبيوتهم في الدول التي قدموا منها لم تزل تشهد أن تلك هي بلادهم لا هذه التي سرقوها في غفلة من الزمن. وقد بدأوا يتساءلون: أهذه البلاد حقاً لنا؟ إذن من هم هؤلاء الذين يموتون من أجلها؟ وأي حبل سري هذا الذي بينهم وبينها؟ من هذه الأسلحة قد تكون أجسادهم التي ربما يحولونها إلى قنابل بشرية إذا تطلب أمر التضحية ذلك، فمن لا يخشى أن يقترب مسافة سكين من عدوه لا يخشى أن يكون جسده السكين والقنبلة والبندقية.

القدس، نابلس، جنين، يافا، حيفا، رام الله، اللد والرملة، قراها ومخيماتها كلها اليوم انتفاضة، فالدم يستسقي الدم والثأر عادة عربية بامتياز. لكل مدينة فلسطينية قصة مع المستعمر، سواء كان بريطانياً أم صهيونياً.

للخليل قصتها المتميزة؛ فهي عادة تصحو متأخرة وحين تصحو لا تنام على ضيم ولا على محتل. فقد أنشئت المدينة على سَفحي جبل (الرميدة) وجبل (الرأس) لذلك يقال عنهم: “الخلايلة رؤوسهم كبيرة و عَنيدة”. قبل أكثر من 3500 سنة سكنها «الكنعانيون» وأطلقوا عليها اسم «قرية أربع» نسبة إلى ملكها العربي الكنعاني أربع المنتمي إلى قبيلة العناقيين. ثم سُميت المدينة الجديدة بـ (الخليل) نسبة إلى «خليل الرحمن» النبي «إبراهيم» عليه السلام، وهي المدينة الوحيدة في الضفة الغربية التي تقع المستوطنة داخلها (كريات أربع).

وكل اليهود الذين يسكنون في الخليل هم من اليهود المتشدّدين ويريدون الانتقام من الخلايلة بشتى الطرق، وقد ارتكبوا مذبحة الحرم الإبراهيمي العام 1994 على يد باروخ غولدشتاين، التي راح ضحيتها 60 من أهل الخليل كانوا يصلون الفجر داخل الحرم. والخليل مدينة «رُعب» بالنسبة لليهود. ولن ينتهي هذا الصراع بين الطرفين (الخلايلة واليهود).

هذا الذي يحدث في مدن فلسطين ليس من نافلة الفعل، بل امتداد لتاريخ طويل من الصراع بين الحق الفلسطيني والباطل اليهودي.

فالنحلة تظل تزنّ في أذن الفيل المسلح بالرصاص وبالكراهية لكل ما هو غير يهودي. وثمة ما يقرب من مليون ونصف المليون فلسطيني في الأذن الأخرى هم الآخرون لا تستطيع إسرائيل اقتلاعهم.

لم يعد فلسطينيو الداخل في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، مجرد رافعة معنوية وأداة تضامنية مع شعبهم في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع، بل أصبحوا شركاء غارقين في وحل الشراكة نتيجة المعاناة والتمييز العنصري على أرض وطنهم، الذي لا يعرفون وطناً غيره، وبسبب تمسكهم العملي بالكفاح المدني المصحوب بالأمل نحو المستقبل المشترك للشعب الواحد بمكوناته الثلاثة أبناء 48، وأبناء 67، وأبناء اللاجئين بعودتهم من المنافي والشتات والمخيمات إلى بيوتهم التي طردوا منها وممتلكاتهم التي فقدوها، وصادرتها مؤسسات الدولة العبرية.

حققت القوى السياسية العربية الفلسطينية الأربعة خطوتها الأولى النوعية بالتوصل إلى تفاهم فاتفاق فائتلاف سياسي فيما بينهم أدى إلى نجاحهم البرلماني يوم 17-3-2015، عبر القائمة المشتركة بثلاثة عشر نائباً لدى البرلمان الإسرائيلي.

يوم الأربعاء 21-10-2015، تولى أحمد الطيبي رئاسة البرلمان، كواحد من ثمانية نواب لرئيس الكنيست وفق النظام البرلماني المعمول به، فقام بطرد الوزير زئيف إلكين من قاعة البرلمان لأنه تجاوز حدوده، وهو موقف يُعبر عن شجاعة الطيبي وحزمه، ولكن موقفه جاء تعبيراً عن الحالة الموضوعية السائدة الجديدة نتاج انتخابات مارس 2015، التي دللت على أن «إسرائيل» ليست وطناً لليهود فحسب، بل ثمة شعب آخر غير يهودي وغير صهيوني يقيم على هذه الأرض التي كانت تسمى فلسطين ولا يزال اسمها فلسطين، ودلالاتها وجود عشرين بالمئة من سكانها هم أهل البلاد الأصليين من الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين والدروز، وأحمد الطيبي هو أحدهم ويمثلهم مع باقي رفاقه من النواب العرب في البرلمان. إسرائيل كمشروع صهيوني لعبت بالدم وبالوقت وبالتاريخ، لكنها تسير نحو نهايتها لتكون هي لعبة التاريخ ولعنته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً