اراء و أفكـار

نتنياهو ـ أوباما: لقاء تحكمه العثرات والابتزاز

حلمي موسى

قبيل وصول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، بدا وكأن الظروف كلها تشير إلى وجود عقبات تمنع نجاح اللقاء. ولكن برغم الإشارات الكثيرة لذلك على خلفية توتر العلاقات بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، إلا أن تاريخ تعاطي الولايات المتحدة مع إسرائيل يطفح بمعطيات تخالف ذلك. فلأسباب عديدة ومختلفة، يصعب على أوباما أن يجعل مواقفه الشخصية من نتنياهو عنواناً للعلاقة بين دولتين تؤكدان ليل نهار أن تحالفهما استراتيجي، وأن الدولة الكبيرة ملتزمة بالحفاظ على تفوق الصغيرة النوعي في المنطقة.
ومع ذلك، لا بد أن قراءة معطيات الأيام الأخيرة تدفع الباحث المتعجل إلى استخلاص نتائج مختلفة. فليس صدفة أن تسرب الإدارة الأميركية، قبل أيام من وصول نتنياهو إلى العاصمة الأميركية، خبر مطالبة إسرائيل بزيادة المساعدات العسكرية السنوية إلى خمسة مليارات دولار في العقد المقبل تعويضاً عن الاتفاق النووي مع إيران، وعن التغييرات الجوهرية في المنطقة التي تؤثر على أمنها. وليس صدفة أيضاً أن يفصح وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر عن أن انتقادات واشنطن لسلوكيات إسرائيل لا تخلو من المرارة والخيبة. وزاد الطين بلة تطوران مهمان، أحدهما يتعلق بتصريحات المسؤول الذي عينه نتنياهو عن الإعلام القومي في إسرائيل رون براتس، والتي هاجم فيها بشدة أوباما ووزير خارجيته جون كيري، والثاني يتعلق بتصريحات مستشاري أوباما من أن «لا فرصة للسلام» في السنة الباقية لولايته.
وبديهي أن مواقف رون براتس وتعيين نتنياهو له مسؤولاً عن الإعلام، تعبر عن واقع أن المحيطين بنتنياهو لا يرون في مواقفه من الإدارة الأميركية ورجالها، وهي مواقف معلنة ومصرح بها في وسائل الإعلام، أمراً غريباً. وهناك من يقولون إن نتنياهو، وبرغم إصداره بياناً يوضح فيه أن مواقف براتس لا تمثله، يحمل جوهرياً المواقف ذاتها التي تمثل أيضاً رؤية التيار اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري الأميركي.
وواضح أيضاً أن صعود عدد من كبار مسؤولي إدارة أوباما إلى الميكروفونات خلال مؤتمر صحافي مخصص للتمهيد لزيارة نتنياهو، بهدف عرض رسالة متشائمة، أمر مدروس. وبحسب كبار مستشاري الرئيس الأميركي، فإن لا فرصة لتسوية دائمة، وربما حتى لمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في العام المقبل، وهو ما يعني أن إدارة أوباما لا تنتظر من نتنياهو شيئاً على هذا الصعيد.
وإجمالاً، فإن هؤلاء يقولون إن أوباما، الذي حاول أكثر من سواه إيجاد حل وتغيير المعادلة الصراعية القائمة في المنطقة، يعلن فشله. وبحسب المقربين من الرئيس الأميركي، فإنه ينظر إلى نتنياهو بوصفه الجهة التي عرقلت مساعيه خلال ولايتيه الرئاسيتين الأولى والثانية. بل ويذهب بعضهم إلى حد القول إن موقف نتنياهو هذا وقف أساساً خلف التوتر الذي ساد العلاقات بينه وبين أوباما في السنوات الماضية. ويعتقد مراقبون أن نتنياهو قد يفرح من هذا التقدير، لكنه أيضاً يخشى أن يعني أن الإدارة الأميركية تترك إسرائيل تواجه وحدها الأسرة الدولية، التي قد يكون لها رأي مغاير للموقف الأميركي. وهذا هو المعنى لما ورد في كلام المستشارين حول وجوب التفكير «بطرق أخرى» لحث حل النزاع.
وكان من وقف في المؤتمر الصحافي ليقول الكلام الأميركي، ثلاثة: السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، والمستشار لشؤون الشرق الأوسط روبرت مالي، والمستشار الإعلامي بن رودس. وكلامهم حول انسداد أفق التسوية يعبر جيداً عن رأي أوباما، الذي ترك في العامين الماضيين ثواب المحاولة لوزير خارجيته جون كيري الذي لم يحصد سوى الفشل. ومع ذلك، وبحسب معلقين إسرائيليين، يصعب على الولايات المتحدة، التي لا تزال تنظر إلى نفسها على أنها قائدة العالم، أن تترك الحلبة وتمشي. لذلك، فإنها تتطلع لحث إسرائيل والفلسطينيين على التمسك بخطوات تبقي «خيار الدولتين» قائماً. وقال بن رودس إنه «يجدر ابقاء حل الدولتين مفتوحاً. ونحن نريد أن نسمع من رئيس الحكومة عن الخطوات المستعدة إسرائيل لاتخاذها لضمان إبقاء قابلية لتحقيق المطامح الفلسطينية»، مؤكداً أن «أوباما يؤمن أن النشاط الاستيطاني يضر بالثقة».
وبحسب موقع «والا»، فإن واشنطن تتطلع إلى عرض أفكار، بينها تجميد الاستيطان في معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة من دون إعلان رسمي، وتعزيز سيطرة السلطة الفلسطينية، وخصوصاً أجهزتها الامنية، ونقل أجزاء من المنطقة «ج» في الضفة الغربية إلى سيطرة السلطة بهدف تعزيز النشاط الاقتصادي.
وكما سلف، فإن نتنياهو وحكومته اليمينية يفرحون لإعلان إدارة أوباما أنها ليست في وارد الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في قضايا الحل النهائي، مثل القدس واللاجئين والحدود، في العام المقبل. ولكن هذه الفرحة سرعان ما تمتزج بقلق شديد من أن يأس الإدارة الأميركية وسحبها يدها من هذا الموضوع، يفتح الباب واسعاً أمام الاتحاد الأوروبي الذي يقدم مبادرات لا تروق لإسرائيل في هذا الشأن. ويكتب المراسل السياسي لموقع «والا» أمير تيفون، أن عملية ابتعاد أميركا عن النزاع، وزيادة التدخل الأوروبي، لم يبدآ أمس، وإنما مع بداية الصراع حول الاتفاق النووي مع إيران. فحينما قررت إدارة أوباما إهمال النزاع العربي ـ الإسرائيلي والتركيز على الموضوع الإيراني، بلورت أوروبا تدابير ضد منتجات المستوطنات، كما تحاول دول أوروبية على رأسها فرنسا تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي بشأن إنشاء دولة فلسطينية.
واليوم، يود نتنياهو التركيز في اللقاء مع أوباما على سلة التعويضات العسكرية الأميركية لإسرائيل، لكن ليس مستبعداً أن يجد نفسه فوراً منشغلاً بصد هجوم أوروبي على المستوطنات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً