اراء و أفكـار

الفحامة في ديالى .. عاملون بوجوه متفحمة والأمراض تفتك بهم

عند أطراف قرية زراعية تبعد نحو (10) كم عن مركز ناحية ابي صيدا في محافظة ديالى تعلو أدخنة سود منبعثة من عملية احتراق الخشب في حفر عدة تحت الارض تسمى (الكور ) وهي تمثل الطريقة القديمة لصناعة الفحم في بلدنا حيث تشتهر بصناعته بعض المناطق الفحم، الذي يستخدم من قبل اغلب المطاعم العراقية في طهي الأطعمة او الشواء، بيد ان عملية صناعة الفحم معقدة وصعبة للغاية لأنها تحتاج الى مراحل متعددة، وبالرغم من الجهد المبذول فإن قيمة الواردات المادية المنخفضة أدت الى تناقص أعداد العاملين في مهنة توارثتها أجيال لكسب الرزق بالرغم من المخاطر الصحية والبيئية.

وقال خليل الربيعي البالغ (52 عاماً) من أهالي قرية (الكبة): اعمل في مهنة صناعة الفحم منذ أكثر من ثلاثة عقود متتالية وهو عمل ورثته عن أبي، لافتا النظر الى ان “المهنة صعبة وقاسية وتحتاج إلى صبر وقدرة تحمل عالية”.
وأضاف الربيعي ان “العاملين في مهنة صناعة الفحم يطلق عليهم محليا تسمية “الفحامة” مشيرا الى ان “طريقة صناعة الفحم وفق الإطار التقليدي تبدأ من تحضير الأخشاب وترتيبها في كور وهي حفر كبيرة تحت الأرض ومن ثم حرقها على مراحل”.
وأشار الربيعي الى ان “واردات صناعة الفحم في تضاؤل بسبب الأسعار المنخفضة جدا وذلك لاستيراد الفحم من بعض دول الجوار خاصة في السنوات الأخيرة”.
من جهته قال غسان ابراهيم (34 عاماً) وهو من يقوم بسكب وقود على (الكورة): تعد مهنة الفحامة مهنة الأمراض بسبب استنشاق العمال الأدخنة المنبعثة من عملية حرق الأخشاب ولفترات زمنية ليست بالقليلة” مشيرا إلى ان، الوجوه السود والسعال الدائم من الأمور التي باتت مألوفة لدى العاملين في مهنة شاقة وقاسية للغاية.
وبين ابراهيم ان لقمة الخبز هي من تدفعه وبقية العاملين في المهنة الى البقاء والاستمرار في مهنة خطرة على صحتهم لكنه عازم على منع أبنائه من العمل فيها بالمستقبل.
صباح التميمي (43 عاماً) عامل آخر يقوم بوضع كميات من الفحم في أكياس تمهيدا لنقلها إلى بغداد للبيع، قال : ان مهنة صناعة الفحم لم تعد مربحة اليوم بالنظر الى التكاليف المرتفعة لكننا نعمل على وفق هامش ربح محدود من اجل الاستمرار وتامين قوت أطفالنا.
وأضاف التميمي ان صناعة الفحم تتطلب الحصول على الأخشاب وهي مهنة خطرة للغاية في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة خاصة في المناطق التي تمثل مورد الأخشاب بالنسبة لهم ومنها منطقة الغابات.
وأشار التميمي الى ان، هناك مناطق محددة في ديالى تصنع الفحم منها قرى ابو كرمة والكبة ومناطق الوقف الا ان عدد العاملين في انخفاض مستمر منذ سنين.
من جانبه يتحدث زهير عبيد القيسي (55 عاماً) وهو يعاني سعالاً شديداً ويقف على بعد (10) امتار من (كورة) تنبعث منها الأدخنة، كما يقع منزله قريبا من كورة صناعة الفحم في قرية الكبه شمالي ابي صيدا وقال : ان العمل في مهنة صناعة الفحم ولفترة سنين طويلة يسبب لي أمراضاً في جهازي التنفسي والسعال الشديد ابرز علاماته.
وأضاف القيسي ان، صناعة الفحم وفق الطريقة التقليدية تسبب الكثير من الأمراض ورغم تحذيرات الاقرباء لكنني لم استجب وها انا ادفع الثمن في خريف العمر.
وتابع انه بالرغم من مرضه لكنه لا يزال يحب مهنة وفرت له قوت أسرته لأكثر من 30 عاماً متواصلة.
إلى ذلك قال جاسم الحداد (تاجر فحم) محلي في مدينة بعقوبة: ان الفحم المحلي انخفضت أسعاره بنسبة (20بالمائة ) في السنوات الأخيرة نتيجة وجود استيراد للفحم من قبل دول الجوار و تخلي بعض المطاعم عن استخدامه.
وأضاف الحداد ان ديالى تنتج سنويا من (200-300) طن من الفحم الذي يتركز في مناطق زراعية تقع شمال شرقي ديالى خاصة في محيط ناحية ابي صيدا 30كم شمال شرقي بعقوبة والعبارة (20 كم شمال شرقي بعقوبة).
في السياق ذاته اعتبر الطبيب المختص بالأمراض التنفسية في بعقوبة محمد سالم ، صناعة الفحم من اخطر المهن خاصة في ظل تعرض العاملين ساعات طويلة إلى الأدخنة المنبعثة من عمليات حرق الحطب.
وأضاف سالم ان النسبة العظمى من العاملين في مهنة صناعة الفحم لا يتخذون أي اجراء وقائي لذا يتعرضون لوعكات صحية خاصة في الجهاز التنفسي على مدار سنين تؤدي في نهاية المطاف إلى سعال دائم.
واقر سالم بان الفحامة هي مهنة الأمراض وان جزءاً من المرضى ممن يعملون فيها عمدوا إلى إهمال وضعهم الصحي لسنين طويلة فكانت النتيجة أمراضاً مزمنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً