اراء و أفكـار

عاصفة النار وعصف الأفكار

ما يجري على مسار الأزمة السورية حالياً أشبه بعاصفة من نار مقرونة بعصف فكري، هو حريق هائل تتقدم منه عربات الإطفاء ،لكنها تبحث عن وسيلة ناجعة للإطفاء، قبل أن تتسع دائرة النار وتأكل الأخضر واليابس.
الكل متفق على أن هناك حريقاً هائلاً مصحوباً بعواصف تعمل على اشتداد أواره، لكن المنشغلين به والخائفين منه يبحثون عن وسيلة وطريقة لإطفائه.. هل يبدؤون عملية الإطفاء من فوق باستعمال صهاريج الماء بالطائرات؟، أم يبدؤون من تحت.. وفي الحالتين هناك مخاطر ومحاذير.
المجتمعون في فيينا وفي أمكنة أخرى، وعلى مستويات ثنائية وثلاثية ورباعية وربما أكثر يحاولون البحث عن الوسيلة الأنجع للسيطرة على النار ولكل منهم وجهة نظر.
نعرف أن هناك فريقين متعارضين في الأهداف والوسائل، واحد يصر على البدء من رأس النظام ،وآخر يرى أن إطفاء الحريق أولاً هو أقصر الطرق لمحاصرة النار ومن ثم إخمادها، ولكل وجهة نظر وجاهتها ومبرراتها..الأولى ترى أن رأس النظام هو السبب في اندلاع الحريق، والآخر يرى أن رأس النظام هو أيضاً من ضحايا الحريق، ولا بد بالتالي من مشاركته في إطفائه ،وبعد ذلك يتم البحث في الخطوة التالية.
بمعنى آخر هناك اتفاق على وجود حريق يتسع، وهناك اتفاق على أن هناك عوامل إقليمية ودولية ساهمت في تسعير النار وفي التسبب بالعواصف واشتدادها..لكن هناك خلافاً حول وسائل المواجهة بعد أن أدرك الجميع أن النار سوف تصل إلى منازلهم.
لا شك أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، خلط الأوراق، وخلق واقعاً جديداً في الميدان ما جعل كل الأطراف تهرول، وتحاول معرفة أسباب هذا التدخل ومداه ،وتخشى أن تتبدل الحسابات ومعها المصالح والاستراتيجيات، خصوصاً بعد أن تبين أن التدخل جدي وليس مجرد مناورة، وأن التحرك الروسي له ما بعده فيما يتعلق بموقع موسكو ودورها على الساحة الدولية وفي مجالها الحيوي، ومن وجهة نظرها بالنسبة للنظام العالمي.
نتيجة لهذا الإدراك بالمخاطر والاحتمالات بدأ تحرك غير مسبوق بين مختلف كل القوى المعنية بالأزمة السورية، بحثاً عن حل، وكل طرف يحاول أن تكون له حصة فيه، ودور في تحديد مستقبل سوريا وشكل نظامها السياسي المقبل.
الاجتماعات الجارية المتعددة المستويات، هي أشبه بمنتديات العصف الفكري التي تشارك فيها الدول المعنية وتطرح فيها رؤاها وأفكارها، ومصالحها وهواجسها، وتعمل على تجسيدها من خلال مقترحات محددة تحاول من خلالها بلورة وجهة نظرها بما يحقق لها سياساتها وأهدافها.
مجمل هذه الأفكار المتباينة قد تنتهي إلى خلاصة أفكار تكون بمثابة دليل أو خارطة طريق استرشادية للحل ،تضمن مصالح كل الأطراف.. لكن العملية معقدة وصعبة طالما أن وسيلة إطفاء الحريق غير متوافرة وقد تكون النوايا أيضاً غير سليمة ،خصوصاً إذ شعر البعض بأنهم لم يحصلوا على الحصة المناسبة أو أن حصيلة الحقل لا توازي حصيلة البيدر، وأن ما زرعوه على الأرض السورية لا يكفي بعد لغلة يعتد بها ويساوي جهدهم.. وأن هناك متسعاً لمزيد من الرهانات لتأجيل إطفاء الحريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً