اراء و أفكـار

بوتين.. المفوض والمفاوض

وسط زخم الغارات الجوية الروسية في سوريا، يشتد زخم الاتصالات السياسية بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، ما يشير إلى أن هناك مسارين متوازيين بدآ يتبلوران لحل الأزمة السورية بعدما استفحل خطرها الذي تجاوز المنطقة وبدأ يطرق أبواب العالم.
يبدو أن الغارات ونتائجها الميدانية، والاتصالات السياسية التي تشمل أكثر من عاصمة مطلوب منها أن ترسم ملامح التسوية، وتحدد خطواتها وترسم خريطة طريقها، بعد تذليل العقبات التي تواجهها والمواقف المتعارضة حول وسائل الحل خصوصاً المتعلقة بالمرحلة الانتقالية ودور الرئيس السوري فيها وبالتالي مستقبله بعد هذه المرحلة.
بات واضحاً من خلال ما كشف النقاب عنه من معلومات خلال القمة التي جمعت الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين قبل أيام، أن الهدف من الاجتماع كان أن يتولى بوتين ملف الأزمة السورية بشقيها العسكري والسياسي، أي أن يكون لديه التفويض للبحث عن الحل وتدوير الزوايا للتغلب على المواقف المتعارضة والتناقضات التي باتت معروفة حول وسائل الحل السياسي ، وهو ما اتضح أكثر في الكلمة التي ألقاها الرئيس الروسي في ختام «منتدى فالداي» بمدينة سوتشي بجنوب روسيا يوم أمس الأول، إذ تحدث عن موافقة الرئيس السوري على الحوار مع المعارضة المسلحة «المستعدة لمقاومة الإرهابيين»، وهذا يعني فتح الباب لحوار موسع يتجاوز المعارضة السياسية، كذلك تحدث عن حل تشارك فيه كل القوى الإقليمية، لكنه كان واضحاً أيضاً في الربط بين ضرورة هزيمة الإرهاب وانطلاق العملية السياسية، وذلك يقتضي المزيد من الوقت لرؤية ملامح تسوية مقبولة يبدأ العمل على بلورتها.
ولعل الفجوة التي يجب العمل على تضييقها لإطلاق خطوات البحث عن تسوية تتعلق بوجهات النظر المتعارضة إزاء النظرة إلى المجموعات الإرهابية، ففيما يرى الكرملين صعوبة التمييز بين المجموعات الإرهابية، باعتبار «أن الإرهابيين أعداء البشرية، ومن الخطأ تقسيمهم إلى معتدلين وغير معتدلين»، فإن أطرافاً إقليمية ودولية ترى أن هناك مجموعات مسلحة غير إرهابية تم تشكيلها خلال الأشهر الأخيرة للمشاركة في مقاتلة القوات السورية بعدما أعلنت الولايات المتحدة فشل برنامج تدريب «قوات معتدلة» تقدر بحوالي ستة آلاف مسلح.
مسار الحل لن يكون سهلاً بأي حال، وقد يحتاج إلى أشهر عدة، يتخلله الكثير من الشد والجذب، والمعارك العسكرية القاسية النتائج التي تسعى روسيا إلى استعجال نتائجها.. لمراكمة أوراق التفاوض.
لقد كان الاجتماع الرباعي في فيينا أمس بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا محاولة لكسر حلقة الخلافات وتضييق التعارض في وجهات النظر حول مستقبل الرئيس السوري، وتحديد مسميات المجموعات المسلحة وغربلة من هي الإرهابية وغير الإرهابية . وإذا كان الاجتماع لم يفض إلى نتيجة حاسمة إلا أن واقع الأمر يقول إن المسألة ليست بهذه السهولة، ولا بد من جولات أخرى من المحادثات لبلورة موقف مشترك.. ما دام الجميع متفقون على ضرورة البحث عن حل سياسي.
لا يكفي أن يتفق جميع الأطراف على ضرورة الحل السياسي، ولا يعني أن هذا الاتفاق يعني إطلاق قطار الحل.. إنما هو نقطة البداية في رحلة الألف ميل المريرة انقاذا لسوريا ولشعبها الذي دفع الثمن غاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً