اراء و أفكـار

بلاش انتخابات

(منير الخطيب)

خيّب المصريون، خصوصاً الشباب منهم، أمل الرئيس عبد الفتاح السيسي بإحجامهم عن صناديق الاقتراع. خيبة أمل تلامس حدود القطيعة بين السلطة والنظام. فالرئيس القادم من الثكنات، مثله مثل بقية الرؤساء المصريين، باستثناء «الإخواني» المسجون محمد مرسي، كان قد رسم خريطة طريق تضع بلد النيل على سكة الاستقرار والأمان، وفق معايير السوق، ومؤسسات التصنيف السياسي الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان الرسمية، والمدافعين عن الحريات والديموقراطية «الأنظمية». الشباب خذلوه.
مصر السيسية، تسير وفق خطة بالغة الدقة «ما تلخبطش». خطة تشبه الصفوف المرصوصة. استفتاء على الدستور، تلته انتخابات رئاسية والآن برلمانية. وبين الاستحقاق والآخر، حفر قناة، اكتشاف حقل غاز، حرب على الإرهاب، وغيرها من الإنجازات الفرعونية.
لكن الريس استعجل التنفيذ. كان من الممكن تأجيل الانتخابات. أو على الأقل استباقها بحملة علاقات عامة تبين أهميتها، أو تشكيل أحزاب لها لون ورائحة. الشعب بحاجة الى تحفيز، إلا إذا كان الهدف تأكيد نظرية أن الشعب لا يريد انتخابات، لأنه يكتفي بوجود السيسي على رأس السلطة. يستحق الشباب المصري أحزاباً أفضل. لا يُعقل أن يزهر ربيع القاهرة وساحاتها، عن فلول حسني مبارك، ورجال أعماله، وضباطه. حتى «حزب النور» ليس إلا من إسلاميي التسبيح بحمد السلطة ونعمها.
انتخابات برلمانية مملّة. «الريّس» بنفسه لم يتكلف عناء تشكيل حزب ولو من قبيل «البرستيج». «الريّس» اعتبرها فضيلة ألا يكون له نواب أو حزب. البرلمان حزبه. «الريّس» فوق الجميع. وليكن البرلمان الجديد مختبراً لتشكيل الأحزاب وتفريخ دستوريين وخطباء ملهمين، يتشكل منهم حزب الرئيس في دورات لاحقة، عندما تتقدم «صناديق الاقتراع على صناديق الرصاص».
المصريون لم يهضموا بعد نهاية حقبة مبارك. لايزال فيهم مَن يعتقد أن الرئيس السابق يحكم، وأن ابنه جمال راجع حتماً. ولا يزال كثر من المصريين لا يصدق أن «الاخوان» حكموا ورحلوا. لم يكن هناك أي حاجة للانتخابات. دعوا البلد يستقر أكثر. لا أحد يسائل السيسي. يقيل الوزراء ويحاكمهم، ويعود ساعة يشاء الى الزي العسكري، لمقارعة الإرهاب. هو الرئيس «السوبرمان» فلماذا إحراجه بانتخابات غير شعبية. لن تكون إلا مادة سخرية لغالبية المصريين، ومدخلاً للتشكيك في شرعية الرئاسة والمؤسسات المنبثقة عنها. إذ «لا يُعقل أن يكون عدد الناخبين أقل من عدد المرشحين» بحسب تغريدة انتشرت مع وسم «ما ـ حدش ـ راح» على «تويتر».
صحيح أن النظام المصري وبأسوأ تجلياته أظهر منعة عالية في وجه التغيير، ونجحت المؤسسات المصرية وديناصورات البيروقراطية الوطنية باستيعاب ثورات الشباب بأثمان معقولة نسبياً، حفظت ماء وجه العسكر بحدود. ألا أن استمرار الرهان على الاطمئنان إلى تغلغل الدولة وأجهزتها في المجتمع، بمختلف طبقاته وتوجهاته ومصادر نموّه ووسائط تواصله، ليس بدواء ناجع دائماً.

 

نقلاً عن جريدة السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً