اراء و أفكـار

القرن الأفريقي.. ومصالحنا الاستراتيجية

أيمـن الـحـمـاد

لا يمكن أن تخطئ عين المراقب السياسي حالة الزخم الواضحة التي تحظى بها منطقة القرن الأفريقي على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، الذي يبدو أنه ينعكس استقراراً ملموساً ومشاهداً في الدول التي تتكون منها منطقة القرن وهي: جيبوتي واثيوبيا واريتريا والصومال.. والأخيرة تتلمس الاستقرار على وقع وضع سياسي وأمني هش لم يمنع عدداً من الدول أخذ زمام المبادرة والعزم على إيجاد موطئ قدم.

ويمكن ملاحظة الخطوات التي اتخذتها القوى الدولية الكبرى هذا العام حيث عزّزت الصين وفرنسا وأميركا مصالحهم هناك؛ فأعادت واشنطن فتح بعثتها الدبلوماسية في مقديشو بعد إغلاقها منذ أكثر من 15 عاماً، كما أن تركيا ترمي بثقلها في هذه المنطقة من خلال دبلوماسية نشطة وفعّالة، إذ كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في زيارة إلى الصومال مطلع العام الحالي ليدشّن صالة جديدة في مطار مقديشو الدولي ومستشفى عاماً هناك.

ولم يقتصر الاهتمام على الصومال؛ بل يمتد صوب جيبوتي التي تعتبر اليوم مكاناً مفضلاً وحيوياً بفضل حالة الاستقرار اللافتة مقارنة مع حالة الاضطراب التي تسوم بعض الدول الأفريقية، وهو ما دفع الصين إلى فتح أربعة موانئ وإنشاء قاعدة عسكرية لتنضم إلى نظيراتها من القواعد الأميركية والفرنسية وحتى اليابانية التي تعد تحركاتها العسكرية نادرة، لكن مصالح تلك الدول عبر مضيق باب المندب الذي يصلها بالبحر الأحمر ومنه إلى المتوسط حيث مركز حضارات العالم وأسواقه تدفعها للرسو قبالة جيبوتي.

هذه المصالح دفعت القوى المؤثرة إلى صيانة حركة الملاحة عندما دفع مجلس الأمن إلى مكافحة القرصنة هناك حفاظاً على التجارة الدولية، ما شكّل فرصة للعديد من الدول للتواجد تحت ذريعة القرصنة ومكافحة الإرهاب أيضاً؛ حيث تنشط جماعات إرهابية مرتبطة بالقاعدة في الصومال.

لطالما كانت أفريقيا بالنسبة للمملكة منطقة تأثير، لكنها لم تحظَ بالعناية الكافية من أجل تعزيز هذا المبدأ؛ بل انغمست الرياض تجاه دعم علاقاتها وتوسيعها صوب القوى الكبرى والصاعدة في شرق وجنوب آسيا، لكن مازالت الفرصة مواتية لإيجاد موطئ قدم ثابت وراسخ.. ولدى المملكة رصيد تاريخي في الدعم يمكنها من الانطلاق.. ولعل عمليتي “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” قد لفتتا نظرنا صوب أهمية ومحورية القرن والقارة الأفريقية بالمجمل في الصراع العسكري، تلك الأهمية والحيوية هي التي دفعت دولاً لمساندة “العاصفة” حفاظاً على مصالحها، ومخاوفها من أن يؤول الانقلاب الحوثي إلى فوضى تعيق الحركة التجارية في باب المندب والبحر الأحمر.

إن من الواجب ألا ينحصر دعمنا للدول الأفريقية – وخاصة في منطقة القرن الأفريقي – على المساعدات التنموية، بل يجب أن يتطور إلى التعاون والاستثمار لاسيما في منطقة شرق أفريقيا حيث تتجه البوصلة الاقتصادية العالمية هناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً