اراء و أفكـار

عنصرية ثقافية

منذ قيام «إسرائيل» العام 1948، وهي تسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية بما تعنيه من مكونات انتماء قومي وثقافي وتاريخي وديني واجتماعي، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى شعب هجين، لكنها فشلت وظلت تواجه حائط صد من مقاومة شعبية لا تفتر ولا تلين.. بل إن الأجيال الفلسطينية التي كانت تراهن رئيسة وزراء الكيان السابقة غولدا مائير على أنها سوف تنسى، بعد أن يموت جيل النكبة، تؤكد أنها أقوى عوداً وشكيمة، وأشد تمسكاً بهويتها وانتمائها، وأن النسيان كلمة غير موجودة في القاموس الفلسطيني.
ومع ذلك، لم ييأس الكيان من تكرار محاولته، مستخدماً وسائل شتى لعله ينجح في واحدة منها، لكنه كان يجد نفسه في كل مرة أمام شعب عنيد لا يستسلم ولا يساوم.
آخر الفصول التي لجأ إليها الكيان هو التضييق على المدارس الأهلية الفلسطينية داخل فلسطين 48 وحرمانها من مستحقاتها أسوة بالمدارس اليهودية، ما أدى إلى إعلانها الإضراب منذ مطلع الشهر الحالي إلى أن تستجيب سلطات الاحتلال وتعود عن قرار حرمان المدارس الأهلية من حقوقها.

يذكر أن هذه المدارس عددها 47 مدرسة وتضم نحو 33 ألف تلميذ من الداخل الفلسطيني من مختلف الديانات والمذاهب، وكانت قائمة قبل قيام الكيان ومنتشرة في مختلف أنحاء فلسطين التاريخية وتشتهر بمستواها التعليمي الرفيع، وتشرف عليها الكنيسة المسيحية.

أدركت مختلف القوى الفلسطينية أن التعليم يواجه مؤامرة صهيونية جديدة ؛ لأن استهداف هذه المدارس يعني استهداف التعليم العربي بغية إضعافه وعدم تمكينه من أداء دوره في خدمة الشعب الفلسطيني وإنشاء جيل متعلم وواعٍ، لذلك تم إعلان الإضراب العام وتسيير التظاهرات المنددة بقرار وزارة التربية تقليص الميزانيات المخصصة للمدارس الأهلية الفلسطينية بهدف إقفالها وعدم تمكينها من أداء رسالتها التربوية.
من المعروف أن الحكومة «الإسرائيلية» تموّل المدارس الدينية اليهودية بنسبة 100 في المئة، بينما عمدت إلى تقليص تمويل المدارس الأهلية الفلسطينية إلى 29 في المئة، ما وضع هذه المدارس أمام وضع مالي صعب، ولم تعد قادرة على مواصلة رسالتها التعليمية.
إن هذا الإجراء الصهيوني الذي يستهدف التعليم العربي في فلسطين المحتلة، هو إجراء عنصري بامتياز لشل قدرة المدارس العربية على الاستمرار، وإغلاقها وتشريد آلاف الطلاب منها، وترك جيل كامل من الطلاب عرضة للأمية والجهل، وذلك استكمالاً للممارسات العنصرية في ما يتعلق بالعمل والشؤون الاجتماعية والبناء والتنقل والحقوق المدنية وغيرها.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن الكيان فرض على المدارس العربية داخل فلسطين 48 أن تعلم طلابها بدءاً من صفوف الحضانة اللغة العبرية كمادة إجبارية على حساب اللغة العربية التي تم تقليص ساعاتها، في خطوة غير مسبوقة بهدف إعلاء شأن اللغة العبرية وتحويلها مع الوقت إلى لغة أولى على حساب العربية.
فلسطينيو 48 يتعرضون لمؤامرة صهيونية مكشوفة الأهداف لنسف كل هويتهم وفي مختلف الميادين، ومع ذلك يقاومون باللحم الحي كما يقول المثل، دفاعاً عن عروبتهم التي تخلى عنها الكثيرون.

المصدر: صحيفة الخليج الاماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً