اراء و أفكـار

الشك الروسي والواقع السوري

عبد الرحمن الطريري
كانت قناعة روسيا بحل سياسي تبدو أقرب من ذي قبل، وبدا أن التخلي عن الأسد والتمسك بالنظام السياسي والعسكري، مثَّل نقطة لقاء بين موسكو ودول تعارض بقاء بشار الأسد ومن تلطخت يدهم بدماء السوريين، وكانت السعودية هي الأوضح في موقفها ذلك، وتواترت التصريحات الأميركية التي تؤكد خلو مستقبل سورية من الأسد.
التصـــريحات الأميركيـــة عن حل سياسي يُقصي الأسد في سورية، صـــاحبها صمت إيراني ورفض خجول لإقصائه، ثم صدر تصريح إيراني يؤكد قبول إيران الجلوس مع أي طرف حول طاولة حوار حول سورية، وبالتأكيد لم يكن الإيرانيون يقصدون الروس، وهم على الغالب كانوا يسعون مجدداً لفتح باب الحوار مع السعودية.
الروس بطبيعتـــهم يفتـــــرضون الشك حتى يثبت عكس ذلك، ويـــبدو أن الشك بـدا يخالجهم كثيراً حول موقف إيران بعد الاتفاق النووي مع دول (5+1)، ومؤشرات هرولة إيران نحو الغرب بعد سنوات العزلة، ولكن ما توجس منه الروس أكثر، أن تكون هناك صفقة بين الأميركان والإيرانيين حول سورية، تعتبر حلوى الاتفاق النووي.
التحركات العسكرية الروسية الأخيرة نحو سورية، لا يمكن فهمها بعيداً من الهواجس الروسية حول استبعادها من مستقبل سورية، أو أن تحصل على غنائم أقل مما تستحق في تقديرها، بعد سنوات من التسليح لنظام بشار الأسد، ومنحه الحاضنة السياسية عبر منع أي قرار من مجلس الأمن ضد نظام الأسد، بل وإعطاء مخرج لنظام الأسد بعد مجزرة الكيماوي في الغوطتين، والتي مثلت حفظاً لماء وجه الرئيس أوباما كذلك.
الهواجس الروسية موجودة دائماً، على اعتبار أن دول الشرق الأوسط تبحث عنها إذا ما جافتها أميركا، وحين تقبل بها أميركا تبتعد عن موسكو بالنتيجة. هذه الهواجس طرحها صحافيون روس إبان زيارة الرئيس السيسي والملك عبدالله والشيخ محمد بن زايد إلى موسكو، إذ سأل صحافيون روس زملاءهم المصريين: هل تعتدون بأننا يجب أن نثق بكم كحلفاء؟ وما الضمانة أن الرئيس السيسي لن يتعامل معنا كالسادات الذي أدار لنا ظهره بعد أن فتحت له واشنطن أبوابها.
هذا الشك الروسي يبدو الدافع للعب على المكشوف أكثر على الأرض السورية، لم تعد المشاركة الروسية تتوقف عند الدعم بالسلاح أو المعلومات الاستخباراتية لنظام بشار، بل أصبحت هناك مشاركة معلنة بعناصر روسية على الأرض، الروس أيضاً يعرفون أن الأميركان لا يريدون التحرك عسكرياً. هذه سياسة أوباما التي حفظناها، ورأينا التعليقات الأميركية لا تتجاوز القلق من التحركات الروسية، أو الطلب من اليونان وبلغاريا منع الطائرات الروسية من استخدام أجوائها إلا إذا أثبتت خلوها من الأسلحة.
روسيا أطلقت تصريحات عن وجوب تعاون الجيشين الأميركي والروسي في سورية، إذ إنها أرض يشارك فيها الجيشان بعمليات، وعدم التنسيق قد يتسبب في أخطاء، حيث أميركا تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وروسيا تدعم نظام بشار الأسد إن لم يكن للسيطرة على سورية، فعلى الأقل لدولة الأقليات التي تبدو السيناريو البديل منذ بدأت المعركة.
ولأن المـــناطق التـــي يطمـــح الروس في الحفاظ عليها في سورية هـــي في الغالب العاصمة دمشق ومناطق الساحل، وهي مناطق لا تتقـــاطع مع مناطق «داعش» التي يقصفها التحالف، لذا يُفهم تصريح سيرجي لافروف بما يشبه التهديد لأميركا إذا ما استهدفت قطعاً بحرية أو غواصات روسية، إذ ورد في وسائل إعلام روسية تهديد أميركي غير معلن بضرب أميركا عبر إسرائيل لغواصة روسية.
وتأكيد من سيرغي لافروف لواشنطن أن العبث مع روسيا في الملف السوري ممنوع؛ لأنها ليست بعيدة كاليمن أو ليبيا بل يعتبرها الروس امتداداً لأمنها القومي، مع خطر الإرهاب الذي يورّق روسيا دائماً، وصاغ لافروف ذلك بلطف قائلاً إن «البنتاغون» أوقفت التعاون في العمليات مع الجيش الروسي، لكن هذا التعاون ينبغي استئنافه؛ لأن الجيشيْن الأميركي والروسي يعملان في آن واحد في سورية وما حولها.
ثم أكد عزم روسيا الذهاب إلى أبعد نقطة في التمسك بسورية، حين أشار سيرجي لافروف إلى أن روسيا تُجري تدريبات عسكرية في البحر المتوسط ستستمر فترة، وبما يتماشى مع القانون الدولي، ولهذا يبدو أن روسيا قرأت في الأجواء حلاً في سورية قد لا تكون أبرز الكاسبين فيه، ولهذا ذهبت إلى الأرض وأنزلت طائراتها في اللاذقية، لتكون أول الجالسين على طاولة مستقبل سورية، مدركةً أن جيش الأسد أوشك على التبخر، ولا بد من المحافظة على ورقة بشار.
أما الولايات المتحدة فلم تكن لديها خيارات كثيرة، فالعقوبات لن تجدي نفعاً مع روسيا، كما لم تُجْدِ حين تقدم الجيش الروسي في أوكرانيا، البدائل العسكرية لأميركا محدودة؛ لأن مجابهة الاندفاع الروسي سيعني حرباً عالمية، ولهذا كان تصريح وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند بقبول الأسد كرئيس في مرحلة انتقالية، محاولة مقاربة لروسيا التي قد تكون مكافأتها صياغة الحل في «موسكو3».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً