اراء و أفكـار

«الإجراءات الملموسة» في سورية

كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، واضحاً وصريحاً بقوله في أثناء جلسة عقدها في مركز أندرو ملون السبت الماضي، أن «الاجتماع الطويل الذي عقده الملك سلمان بن عبدالعزيز، الجمعة الماضية، لم ينجح في تغيير رأي الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجاه الأزمة السورية». هذا دليل أخير ومزيد من التأكيد والحسم بأن «مجموعة أصدقاء سورية»، (التي كانت الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، أكثر أعضائها حماسة، من غير الدول العربية، لأنْ تكون محصلتها المحصلة نفسها لـ «مجموعة الاتصال حول ليبيا» التي ساهمت بفعالية في الإطاحة بنظام معمر القذافي)، انتهى مفعولها وتجاوزتها التطورات والتعقيدات الإقليمية والدولية.
اليوم، ونحن نشهد تحولاً فرنسياً وبريطانياً باتجاه الرغبة في توسيع الضربات الجوية إلى عمق التراب السوري، لا نجد أن المحرّك الأول لذلك مساعدة المعارضة السورية والعمل على حلّ الأزمة السورية من خلال تهيئة الظروف لرحيل بشار الأسد، كما كانت ترغب مجموعة «أصدفاء سورية» منذ أنْ طالب بتشكيلها نيكولا ساركوزي، قبل أكثر من أربعة أعوام. باريس تدرك اليوم، أنّ الضربات الجوية التي ينفّذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش»، لم تؤدِّ أغراضها ولم تحقق أهدافها، فالتنظيم ما زال قوياً في سورية والعراق، بل امتدت قوته إلى شمال أفريقيا، لدرجة أنه صارت للتنظيم إذاعة تبثّ من ليبيا موجّهة أساساً الى حشد الأنصار للتنظيم في تونس.
وهذا يخيف فرنسا وبريطانيا، لأن هذه القواعد الآمنة للتنظيم في منطقتنا قد تكون منطلقاً لخطط محتملة ينفذها التنظيم في البلدين وغيرهما. كما أنّ أزمة اللاجئين السوريين المتفاقمة على أبواب أوروبا وحدودها، أظهرت أكثر فأكثر أخطار أن يُترك المجال لـ «داعش» بالازدهار. المقاربة الفرنسية المستجدّة مصابة بالنقص والقصور ومثلها المقاربتان الأميركية والبريطانية، وقد كان الردّ بليغاً على هذا القصور ما ذكرته «ليبراسيون» قبل أيام من أنه في ظلّ انعدام استراتيجية حقيقية تستهدف معاً «داعش» ونظام بشار الأسد، فإن المقاربة الفرنسية المستجدة لن يكون لها تأثير سوى أنها ستوضح فقط أن فرنسا تظل حليفاً عسكرياً مقرباً الى واشنطن، كما أنها ستعطي لباريس وزناً أكبر في أي تسوية مستقبلية للقضية السورية. وقد أشار التقرير الأخير لـ «مجموعة الأزمات الدولية» في شأن سورية، إلى أنّ «التوبيخات الديبلوماسية غير المدعومة بإجراءات ملموسة لا تحمل وزناً كبيراً لدى داعمي النظام السوري، ومن غير المرجح أن يضعوا حداً لاستخدام الأسد الضربات الجوية كجزء من استراتيجية الأرض المحروقة وكوسيلة لفرض العقاب الجماعي».
واشنطن غير مستعدة لهذه «الإجراءات الملموسة»، والنتيجة أنّ «الجماعات السلفية – الجهادية ستكتسب مزيداً من الأتباع، وهو ما سيؤدي إلى تراجع آفاق تسوية الصراع سياسياً. تُرى متى يتمّ إدراك أهمية «الإجراءات الملموسة»؟، والتي ذكرت «مجموعة الأزمات الدولية» على رأسها العمل على إيجاد استراتيجية مشتركة بين داعمي المعارضة السورية لتمكين عناصرها ذوي المصداقية والاعتدال من ملء الفراغات العسكرية والمدنية على الأرض، وذلك بتأسيس إدارات مدنية فعّالة. وجنوب سورية، حيث الجماعات السلفية – الجهادية في أضعف حالاتها، هو المكان الأفضل للانطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً