اراء و أفكـار

الصغار لا يعرفون لعبة الكبار

إيلان.. أيها الطفل المرمي على شاطئ البحر و تداعب الأمواج شعرك الأسود وتزهو بقميصك الأحمر وبنطالك الكحلي.. هل تعرف ماذا فعلت؟ لقد فضحت العالم وكشفت كل عوراته، فاحتار وارتبك وشعر باللعنة والعار لأنه لم ينقذك وتركك تغرق.
لقد كنت الشاهد والشهيد.. شاهد على عهر هذا العالم وسقوطه الأخلاقي، فارتأيت أن تدفن رأسك في الرمال كي لا تراه ولا يراك، وأن تصوب حذاءك نحو وجه العالم احتقاراً وخزياً.
بعد أن شاهدك العالم مرمياً على الشاطئ بدأ يشعر بوخز الضمير ويبحث عن أعذار وأسباب لتركك تغرق، بل إن البعض ذرف دموع التماسيح وعض أصابع الندم لأنه كان المسؤول عما حل بك وببلدك، ففتح حدوده لاستقبال من تقطعت بهم السبل ولم يلقوا مصيرك.

إيلان.. أيها الصغير ابن الثالثة، قتلك كل العالم المتحضر لأنه كان شريكاً في جريمة تدمير بلدك وفي تشريدك وتركك وحيداً تصارع البحر وأنت لم تعرف السباحة إلا في بطن أمك.. لم يمد إليك يد المساعدة وأنت تحاول البحث عن مكان آمن مع أمك وشقيقك هرباً من وحوش كاسرة كانت تطاردك أو تجد مخدة طرية تضع عليها رأسك من تعب المسير.. فتركك للبحر الذي رماك على رماله كي تروي واحدة من أكبر مآسي القرن ووحشية البشر.
بدأت بعض دول العالم من بعدك يا إيلان تفتح أبوابها لآلاف المهجرين الذين كنت من بينهم لكنك لم تصل، ولولاك لغرق نصفهم أو هلك نصفهم الآخر.
أنت يا إيلان الصغير أجبرت الكبار على التنازل عن كبريائهم وعنصريتهم، والعودة إلى بعض إنسانيتهم والقبول بما كانوا يرفضونه.
قالوا إنهم يخافون على هويتهم وثقافتهم من موجة عاتية من اللاجئين الغرباء.. أو من وباء على حد تعبير غلاة اليمين والعنصرية.
هؤلاء هم سبب البلاء الذي ضرب بلادنا. هم الذين أدت سياساتهم الحمقاء وحقدهم الأعمى وأطماعهم إلى تحويل ديار العرب إلى ساحات ينعق فيها البوم وغربان الإرهاب والتكفير ، الذين وفدوا إلينا من ديارهم، فكانت أسوأ وأوسخ بضاعة مستوردة عرفتها البشرية.
إيلان.. لو أن هذه الدول كفت أياديها عن التدخل في بلدك وغيره من بلاد العرب وتوقفت عن المشاركة في تدميرها، وأرسلت مرتزقيها الذين طاردوك، لكنت الآن في «عين العرب» تلهو مع أقرانك الصغار، ولست جثة صغيرة مرمية على الشاطئ.
لكنك يا إيلان لا تعرف.. فالصغار لا يعرفون لعبة الكبار..

المصدر: صحيفة الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً