اراء و أفكـار

الجامعة العربية.. عجز يواجه محنة اللجوء

أيمن الحماد

بات ملف اللجوء واقعاً عربياً ماثلاً أمام المنظمات والمؤسسات الدولية التي تواجه اليوم هذه الأزمة الملحة التي تلقي بظلالها على الدول الأوروبية محدثة تغيراً في ملامحها وهيكليتها، وفي معرض حديثه عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين صوب ألمانيا، يقول وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير “نحن بالفعل اليوم بحاجة إلى تغييرات دستورية”.

وتتخذ غالبية الدول العربية موقف المتفرج فهي غير قادرة على مواكبة هذا الملف، ولا تستطيع معه القيام بأي شيء فهي عاجزة أمام هذه المأساة في إحكام السيطرة على حدودها، وفي ذات الوقت عدم قدرتها تحمل أعباء هذه الموجات البشرية الأمنية منها والاقتصادية، فدولة مثل الأردن أو لبنان فاضتا بأعداد غفيرة من اللاجئين السوريين، ولمنطقة الشام الكبرى تاريخ كبير في حركات النزوح البشرية، ومثله العراق، إذ أسهمت التحولات السياسية والصراعات الأهلية أو الحروب مع العدو الإسرائيلي إلى تغيرات ديموغرافية كبيرة ما زالت إلى يومنا الحالي حديث دوائر صنع القرار هناك، فمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين على سبيل المثال في لبنان أصبحت ذات تأثير وثقل سياسي في المشهد اللبناني، وقس على ذلك وضع مخيمات الفلسطينيين قبل اندلاع الثورة السورية، والتي تلعب دوراً في مشهد الصراع السوري، وربما تخشى دول عربية أن يؤدي احتواء المهاجرين القادمين من سورية والعراق إلى استنساخ تجارب المخيمات في دولهم، فيحجمون عن الاضطلاع بهذا الملف.

مأساوية مشهد اللجوء العربي هو اتساع رقعته بشكل كبير والاستماتة من قبل الفارين في ركوب الخطر، وإن كان الموت مصيراً محتملاً.. زد على ذلك أن الدول العربية وبفعل الفوضى والعجز والانفلات باتت منافذها البحرية المطلة على “المتوسط” محطة انطلاق مفضلة نحو الضفة الشمالية من البحر الذي شهد مآسي كبيرة، وتحاول الدول الأوروبية دفع دول شمال إفريقيا، وتركيا أيضاً، لإحكام السيطرة على تدفق اللاجئين دون جدوى.

الأسبوع المنصرم أوصت ندوة نظمتها جامعة الأمير نايف العربية بالرياض بضرورة تأسيس هيئة عربية مستقلة للجوء، وبرأينا أن إنشاء مثل هذه الهيئة قد تأخر كثيراً، إذ يفترض وجودها منذ وقت طويل بفعل الحاجة والضرورة، بحيث تكون أداة ربط وتنسيق بينها وبين دول اللجوء والمنظمات حول العالم، لكن جامعة الدول العربية تعاني أزمة أولويات ملحة، ويفترض ألا يشغلها ذلك عن هذه المسألة الضرورية، إذ لم يتحدث بشكل واضح أي مسؤول من الجامعة عن أوضاع اللاجئين، إلا بعد مأساة إيلان الطفل السوري الغريق، والتي على إثرها صرح نبيل العربي أمين الجامعة، قائلاً: نحن عاجزون عن مواجهة هذا الملف.. عدا ذلك لم نسمع عن مسؤولين في الجامعة قاموا بالوقوف على أوضاع ومآسي اللاجئين بل تركوا الأمر برمته للمنظمات الدولية وسفراء النوايا الحسنة. ندرك ضعف الجامعة العربية أمام هذا الملف لارتباطه بقرارات سياسية، وعدم قدرتها تقديم ما يسهم في عدول اللاجئين عن فكرة لجوئهم، فهؤلاء يدفعهم اليأس والخوف بعد أن فقدوا الأمل في إنقاذهم عربياً، كما أن النقمة على الجامعة العربية تزداد من قبل السوريين الذين يرون أنهم خُذلوا..

إن اللاجئين العرب ممن لاذوا إلى الدول الأوروبية لم يعودوا اليوم متحمسين للعودة إلى الشرق الأوسط ولا إلى ديارهم، وتتناقص الرغبة كثيراً مع ارتفاع وتيرة الاضطرابات، وتقادم الأجيال وتلاشي الهوية والاندماج الكامل مع الدول التي اكتسبوا جنسيتها، وبالتالي فقدنا أجيالاً من أمتنا أصبحت علاقتهم مع الدولة الأم علاقة طيف وذكريات عابرة لا أكثر.

المصدر: صحيفة الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً