اراء و أفكـار

خذوا «ريحتكم» وارحلوا

يونس السيد
من حق اللبنانيين أن يغضبوا، وأن ينزلوا إلى الشوارع والميادين، ليس في وسط بيروت وحدها، بل في كل شوارع وساحات البلدات والقرى والمدن على امتداد الوطن، للمطالبة برحيل الحكومة وإسقاط النظام برمته. فالالتفاف حول شعار حملة «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسبكم» لم يعد كافياً، وبات مطلوباً اليوم بإلحاح القول لكل الطبقة السياسية الفاسدة وأركان النظام «خذوا ريحتكم وارحلوا» وإن لم ترحلوا ب «العافية» فسيتم إجباركم على الرحيل، ولكن بعد محاسبتكم ومعاقبتكم العقاب الذي تستحقونه.
بصراحة، لم يعد أحد يخشى قمعكم الذي يدرك الجميع أنكم تجيدون استخدامه، ولا حتى مؤامرات إشعال الفتن الطائفية والمذهبية التي طالما عشتم في ظلها وهددتم بإشعالها، فاللبنانيون نضجوا بما فيه الكفاية، ونزلوا إلى الشوارع موحدين، من كل الطوائف والمذاهب، وساروا خلف نشطاء مستقلين من المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، تحت شعارات مطلبية وحياتية، للمطالبة ليس فقط بمحاربة الفساد، أو بإزالة النفايات التي ثبت بأنها تدر الذهب لكم، وإنما بكنس الطائفية والمذهبية، وكل القوى والأحزاب السياسية المنتمية لها، بما في ذلك التخلص من مرحلة قطبي «آذار» وتحالفاتهما التي هيمنت على الساحة السياسية منذ أكثر من عقد، وإنهاء حكم العائلات والإقطاع السياسي والتوريث للأحفاد، وحتى الألقاب التي أغدق في منحها لكم الحكم العثماني والاستعمار الأجنبي، وذلك من أجل إقامة الدولة العلمانية المدنية والديمقراطية.
لقد انتظر اللبنانيون طويلاًً إحداث التغيير المطلوب، ووصلوا إلى مرحلة فارقة يهددها الصراع المتفاقم في الجوار السوري والمنطقة عموماً، لكن هذا التغيير لم يحدث، بل تمادت الطبقة السياسية في ظلمها وفسادها.. حتى تكتل التغيير والإصلاح الذي كان يعول عليه في ذلك وهدد ثم بادر بالنزول إلى الشارع، إذا به يتحدث عن حقوق المسيحيين والشغور الرئاسي والاعتداء على منصب الرئيس، بينما حول «حزب المستقبل» أجهزة الدولة ومؤسساتها إلى ميليشيات تابعة له، وأدى الصراع بينه وبين «حزب الله» وتحالفاتهما إلى رهن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالتوافقات الإقليمية والدولية. أما بقية الأحزاب والقوى السياسية فحدث ولا حرج، فهي ليست سوى عناوين لواجهات طائفية بامتياز، وتتحرك وفقا لأهواء ومصالح طوائفها وارتباطاتها الخارجية. يجدر باللبنانيين اجتثاث كل هذه الطبقة السياسية وأحزابها، وما حدث في هبة 22 أغسطس/آب من اقتصار معظم الشعارات على القضايا المطلبية والخدماتية، يجب أن يستكمل خلال التحركات المقبلة بطرح شعارات سياسية واضحة تطالب برحيل الحكومة والبرلمان وإسقاط الطبقة السياسية والنظام الطائفي، مع الحفاظ على السلمية، وعدم السماح للمندسين الذين غالباً ما تزج بهم الأجهزة لحرف التحرك الشعبي عن أهدافه النبيلة.

لقد آن للبنانيين أن ينتزعوا حقوقهم من سلطة ظالمة لا ترحم، وأن يعلنوا إلغاء الطائفية السياسية، وأن يعيدوا بناء مؤسساتهم ودولتهم على أسس وطنية، إذ لا يمكن للديمقراطية أن تستقيم مع الطائفية والمذهبية، وآن للبنانيين أن يتوحدوا كمواطنين على قدم المساواة في وطن تحكمه مباديء القانون والحرية والعدالة الاجتماعية، لا «مزرعة» يحكمها هذا الزعيم أو ذاك أو هذه العائلة أو تلك.
المصدر: الخليج الاماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً