اراء و أفكـار

بين مصطلحي «الإرهاب» و «التطرف العنيف»

محمد عبد العزيز منير
شهد العديد من الاجتماعات الدولية التي عقدت أخيراً لمناقشة ظاهرة الإرهاب وكيفية التصدي له ظهور بعض الاتجاهات الداعية الى عدم التوسع في استخدام مصطلح الإرهاب واستبداله بمصطلحات مخففة مثل التطرف العنيف الذي يندفع الشخص فيه لارتكاب فعل متطرف متأثراً بضغوط وظروف مختلفة، كما ظهرت اتجاهات تدعو للتمييز بين مراحل الإرهاب ذاتها بحيث يقتصر إطلاق لفظ إرهابي على من يرتكب الجريمة بالفعل، أما من سعى لارتكابها وفشل لظروف خارجة عن إرادته، فهو متطرف فقط.
الأخطر من ذلك أن هذه الاتجاهات تدعو الى بحث مدى مسؤولية الدولة والمجتمع عن ظاهرة التطرف، بحيث تتم التفرقة بين ارتكاب الفرد لجريمة إرهابية في مجتمع يلبي احتياجات أفراده الأساسية وحقوقهم الاجتماعية والسياسية وبين مجتمع آخر يعجز عن ذلك!
والحقيقة أن محاولة ترسيخ هذا الاتجاه في توصيف العمل الإرهابي من شأنها أن ترتب آثاراً كارثية على ما بقي من استقرار دول المنطقة، ففي الوقت الذي تعطي فيه بعض الدول الغربية نفسها الحق في التجسس على مواطنيها وزائريها وعابريها للتعرف إلى اتجاهاتهم الفكرية، وتلقي القبض عليهم بمجرد ظهور أية بوادر عن استعدادهم للانخراط في أي نوع من أنواع العنف، وتطبق عليهم في الحال قوانين مكافحة الإرهاب، نجد هذه الدول ذاتها تدعو لالتماس العذر للمنخرط في أعمال إرهابية بعيداً من أراضيها ومصالحها، متناسية أن عالمية الإرهاب تقتضي عالمية التصدي له من دون محاولة للنأي بنفسها عن نتائج هذه الظاهرة.
والعجيب حقاً أن هذه الدول لم تتعلم بعد من تجربة إيواء مروجي الأفكار الإرهابية، ومنحهم ملاذاً آمناً لتخريج أجيال من حاملي الأفكار المتطرفة الذين ينساقون فوراً للالتحاق بالجماعات الإرهابية متى واتتهم الفرصة. والأعجب أن هذه الدول حينما تعرضت لاعتداءات إرهابية استهدفتها، لم تتردد ساعتها في استخدام الأساليب الممكنة كافة للتوصل إلى المعتدين وعقابهم، كما لم تتوان عن أن تطلب من دول العالم إدانة ما تعرضت له من إرهاب، ولا أعرف ماذا سيكون الحال ساعتها لو اقتصرت ردود الفعل العالمية على الدعوة لمعرفة الأسباب التي دفعت مرتكبي هذه الجرائم إلى ارتكاب هذا النوع من التطرف العنيف!
إن التيار الأساسي لتعريف الإرهاب استقر على أنه كل فعل أو عمل يؤدي الى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغرض تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين، هذا هو الفهم الذي ترسخ بعد محاولات استمرت عقوداً لتعريف الإرهاب والتفرقة بينه وبين ظواهر أخرى، والآن نجد من يحاول الالتفاف على هذا التعريف من خلال طرح أفكار ملتبسة حول التطرف العنيف والفعل العنيف وغيرها من المفاهيم التي تتناسى أن قتل النفس وسقوط الضحايا الأبرياء جريمة في الأعراف والقوانين والشرائع كافة مهما سيق من مبررات واهية لا تقنع أحداً.
واتصالاً بذلك فإن محاولة مكافحة الإرهاب بتغيير بيئته الفكرية الحاضنة لا يمكن ولا يجب أن يتنافى مع حق الشعوب والمجتمعات في التصدي للاعتداءات الإرهابية الآثمة التي تستهدفها من دون أن نسمح لأحد أن يحاول تبرير الإرهاب من خلال إلقاء اللوم على البيئة الاجتماعية والسياسية، وإلا كان لنا الحق في أن نلتمس العذر للمهاجر في أن يكون إرهابياً طالما وجد نفسه محروماً من أحد حقوقه.
ولا ينبغي لهذه المحاولات المفتعلة أن تشتت انتباه أمتنا عن المعركة الكبرى التي نخوضها الآن على المستويات كافة وهي اجتثاث الإرهاب من جذوره مهما كلفنا ذلك من تضحيات، دفاعاً عن وجود هذه الأمة وصوناً لصورة حضارتنا التي تشوهت بفعل فئات ضالة أوغلت في الدماء تحت شعار الانتصار للإسلام، وهو منهم براء.

المصدر: صحيفة الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً