اراء و أفكـار

مخاض دموي لحل الأزمة السورية

افتتاحية صحيفة الخليج

دخلت الأزمة السورية منذ أسابيع مسار الحل السياسي ، وتكثفت الاتصالات والاجتماعات وطرح الأفكار بين أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، إضافة إلى جهود أخرى تبذل وراء الكواليس في مجلس الأمن وعواصم القرار، وكثرت معها التساؤلات حول النتائج المتوقعة ومآلاتها وشكل الحل المتوقع.
كان واضحاً أنه بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول (5+1) سوف يتم تركيز الجهود السياسية على ملفات المنطقة، رغم القول بأن لا علاقة بين الملف النووي والقضايا الأخرى، وهذا القول تعوزه الدقة لأن كل الأطراف المتورطة في الأزمة السورية مثلاً باتت تدرك أنه لا بد من حل سياسي لها وأن حلها عسكرياً بات مستحيلاً، والأمر يحتاج إلى تبريد الأجواء السياسية في المنطقة من خلال حل الملف النووي الإيراني الذي كان يمثل عامل ضغط وتوتير ويؤثر في مختلف الملفات الأخرى.
لذا شهدنا بعد الاتفاق النووي مباشرة حراكاً سياسياً مكثفاً في مختلف الاتجاهات، وتمت زيارات على مستويات عدة إلى عواصم مؤثرة وطرحت أفكار للحل، وبرزت خلالها مواقف وتصريحات عالية السقف أوحت بأن الجهود السياسية تواجه صداً، وأن عقبات كأداد تحول دون التوصل إلى أي حل.
لكن حقائق الأمور ليست على هذه الصورة، فالأزمة السورية معقدة جداً، وهذا هو الواقع.. وأطرافها لهم أجنداتهم ووسائلهم وأدواتهم ورؤاهم المختلفة. وهذا الأمر يتطلب جهداً مضاعفاً للتوصل إلى قواسم مشتركة، كما يتطلب المزيد من المعاناة الداخلية حيث ستتصاعد وتيرة المواجهات العسكرية والمواقف السياسية المتصلبة وعالية الشروط، وذلك من اللوازم المفترضة لأي مفاوضات، من أجل تجميع الأوراق وتحسين الشروط عندما يحين موعد الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
إن الحراك السياسي الحالي يمكن اعتباره تمهيدياً، أو عملية مخاض دبلوماسية لتوليد الأفكار وتجميعها والسعي لربطها كي تحصل على موافقة كل القوى المنخرطة بالأزمة السورية ومعرفة حدود دورها في الحل وما يمكن أن تحصل عليه، وهذا يلزمه المزيد من الوقت والجهد بانتظار استكمال خطوات تصديق الاتفاق على الملف النووي في كل من الكونغرس الأمريكي ومجلس الشورى الإيراني خلال الشهور القليلة المقبلة.. أي أن الجهد الحقيقي لبلورة مسار الحل السياسي في سوريا لن ينجلي قبل بداية العام المقبل.
لعل ما يساعد على الحل ويستعجله هو قناعة كل الأطراف بأن الإرهاب بات يشكل خطراً يهدد الجميع، وأن أهداف استخدامه أو استغلاله سياسياً وعسكرياً قد استنفدت، بل هي صارت عبئاً ثقيلاً على من اعتقد يوماً أن دعم المنظمات الإرهابية أو التغاضي عنها يوفر له دوراً على مقاسه في حل الأزمة السورية، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، كما هو حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي امتطى صهوة جماعات ما يسمى «الإسلام السياسي» ومتفرعاتها الإرهابية، وها هي تنقلب عليه ولا ينفك يراهن عليها حتى اللحظة.
.. من الآن وحتى بداية العام المقبل ستتواكب الجهود الدبلوماسية مع اشتداد المعارك العسكرية على الأرض السورية، وستزداد مساحة القتل والدمار، لأن كل الحروب التي انتهت بتسويات كانت مفاوضاتها تجري تحت النار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً