تقسيم العراق والنفي الأمريكي
صحيفة الخليج
ليس صدفة أن يعلن رئيس أركان الجيش الأمريكي، الجنرال ريموند أوديرنو، قبل يومين من إحالته إلى التقاعد أن «تقسيم العراق، ربما يكون الحل الوحيد، بسبب صعوبة المصالحة بين الشيعة والسنة». فهذا الموقف ليس جديداً أو مفاجئاً، لأنه يأتي في سياق مواقف أمريكية مماثلة أُطلقت منذ سنوات، وعلى لسان أكثر من مسؤول سياسي وعسكري. والنفي الرسمي الذي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية لما صدر عن الجنرال أوديرنو بأن رؤية واشنطن «واضحة ولم تتغير، وأن تقسيم العراق ليس من ضمنها»، لا يكفي للإقناع بأن تقسيم العراق غير مدرج على الأجندة الأمريكية، فهو جزء من مشروع «الفوضى الخلاقة» الذي يستهدف تقسيم الدول العربية على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، والذي يتمظهر الآن في ما تشهده الدول العربية من حروب داخلية مدمرة بأدوات داخلية، ومجموعات تكفيرية مستوردة.
النفي الرسمي الأمريكي لا ينفي الفعل ولا يقلل من شأنه، لأنه مجرد محاولة لامتصاص الغضب الذي أثاره تصريح الجنرال المتقاعد، ذلك أن ما يُجرى على الأرض يؤكد أن مشروع التقسيم قائم ويتحرك بقوة.
أجل، فكرة التقسيم ليست جديدة أمريكياً، فقد سبق لوزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر أن دعا في مارس/آذار 2006 إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة مكونات، مرجحاً أن يكون «مصير العراق كمصير يوغوسلافيا». كذلك كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي دعا في مايو/أيار 2006 إلى تقسيم العراق باعتباره «الحل الأمثل لتجنب تمزيق العراق».
يذكر أن بايدن كان وراء تقديم مشروع تقسيم العراق إلى الكونغرس الأمريكي. ومعروف أن بايدن يجاهر بأنه صهيوني، ويتباهى بذلك، لاعتباره «أن «إسرائيل» هي أعظم قوة منفردة لأمريكا في الشرق الأوسط».
إن تقسيم العراق والدول العربية هو في صلب الأهداف الأمريكية التي تصب في مجرى الاستراتيجية الصهيونية، لإقامة كيانات طائفية وإثنية على شاكلتها، في المنطقة تكون فيه هي المحور والأقوى بين هذه الكيانات، وبذلك تضع حداً للصراع العربي «الإسرائيلي» وتتم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.
إن غزو العراق واحتلاله كان في الأساس يهدف إلى تحقيق هدفين، هما وضع اليد على ثروته النفطية، وتوفير الأمن ل«إسرائيل» من خلال تدمير الجيش العراقي، وتفتيت العراق وتقسيمه على أساس طائفي ومذهبي وإثني من خلال إقامة نظام المحاصصة الطائفية الذي ينخر الجسد العراقي، ويدمر مكوناته ويقضي على وحدته وسيادته. وكانت مراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية قد وزعت بعد غزو العراق خرائط توضح فيها كيفية تقسيم الدول العربية وفقاً لمخططات يُجرى تنفذها الآن.
إذاً، أن تصدر من واشنطن بين أوان وآخر تصريحات حول تقسيم العراق، وأن يصدر نفي لها لا يغير شيئاً في ما تعمل عليه واشنطن وتل أبيب.
المهم أن هناك وعياً بمخاطر التقسيم. وكان الرفض العراقي المطلق على مختلف المستويات رداً على الجنرال الأمريكي، والتأكيد على وحدة العراق والاستعداد للدفاع عن هذه الوحدة، مؤشراً على أن استراتيجية التفتيت والتقسيم تواجه صداً ومقاومة.