اراء و أفكـار

لبنان والفراغ الملغوم

صادق الناشر

يعيش لبنان فراغاً رئاسياً منذ أكثر من عام، وجاءت أزمة النفايات لتعبر بشكل صارخ عن حقيقة أزمة تعيشها مختلف القوى السياسية، حتى إن بعضاً من جوانب الأزمة اتخذ بعداً سياسياً، بعدما صارت تتحكم في إيقاع حياة المواطن اللبناني الذي لم يجد من يعمل على إنقاذه من خلافات السياسيين الذين يتقاسمون كل شيء تقريباً.
لبنان يعيش اليوم على وقع مخاوف من حدوث الأسوأ مع التحذيرات التي تطلق من هنا وهناك، والتي من شأنها أن تقود البلاد إلى الغرق في مزيد من الأزمات، خاصة في ظل تهديد بعض القوى السياسية بالنزول إلى الشارع وتأزيم الوضع بشكل أكثر خطورة، وهو ما يتناغم وأهداف قوى سياسية ترغب في إضافة المزيد من التعقيد على المشهد السياسي.
ظل لبنان سنوات طويلة ساحة لتنفيذ أجندات ومشاريع داخلية وإقليمية، وجاءت الأحداث في سوريا لتعطي الأزمة الداخلية مزيداً من التعقيد، إذ إن حدود البلدين المشتركة تحوّلت إلى عامل من عوامل الانفجار السياسي الذي كان نتاجاً لمحطات عنف عدة، أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قبل نحو عشر سنوات، وتمكن بعض القوى السياسية من فرض نفسها على المشهد مستظلة بعوامل قوة عسكرية وتحالفات إقليمية معروفة.
جاءت مغادرة ميشيل سليمان المشهد السياسي كرئيس للبنان لتفجر أزمة رئاسية أدخلت البلد في فراغ رئاسي كبير لم تتمكن معه القوى السياسية من ملئه، رغم كل المحاولات التي بذلت خلال الفترة الماضية، فالواقع يشير إلى تجاذبات محلية وإقليمية ودولية فيما يتصل بالرمز الأول لسيادة لبنان وعدم قدرة اللبنانيين على الوصول إلى تفاهمات وحل يؤكد عمق الأزمة وتجذرها بين الأطراف الداخلية، والأمر يتطلب شجاعة أكبر للتوصل إلى حلول تنهي هذا الفراغ، الذي يبدو ملغوماً للجميع.
مع الأسف، تريد بعض الأطراف السياسية الاستقواء بالظروف المحيطة بلبنان لمنع التوصل إلى حلول سريعة لأزمة الرئاسة، والبعض منها يراهن على تطورات الأوضاع الداخلية في سوريا، خصوصاً أن دمشق ظلت، ولا تزال لاعباً رئيسياً في لبنان، وأية تطورات وأحداث فيها تنعكس بشكل مباشر على لبنان.
قبل أكثر من عام كان لبنان ينتظر حل الفراغ الرئاسي، لكنه اليوم ينتظر حلولاً لأزمات كثيرة، وكلما تأخرت الحلول زاد غرق البلاد في وحل الأزمات الناتجة عن هذا الفراغ، فلبنان يعيش أوضاعاً اقتصادية وبيئية صعبة وجبال النفايات خير دليل على ذلك، وإذا ما تركت هذه الأزمات من دون حلول وطنية فإنها ستجر لبنان إلى ما هو أسوأ من الفراغ الرئاسي.
لابد من استحضار العقل في الأزمة التي تواجه لبنان اليوم، استحضار يبعد شبح إدخال البلد في مزيد من الأزمات والتوافق على حلول يرتضيها الجميع، تماماً كما حدث في محطات سياسية ودموية سابقة، بخاصة بعد الحرب الأهلية التي امتدت خمس عشرة سنة حيث التف الجميع حول اتفاق الطائف عام 1989 الذي أسس لتفاهمات لبنانية لا يزال بعضها، أو أغلبها قائماً حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً