اراء و أفكـار

مهاجرون أشباه موتى

مفتاح شعيب
قدرت المنظمة الدولية للهجرة، عدد المهاجرين الذين ابتلعهم البحر الأبيض المتوسط، في الطريق إلى أوروبا هذا العام، بأكثر من ألفي شخص، متوقعة أن تتزايد الحصيلة، بالنظر إلى عشرات الآلاف القابعين على السواحل الجنوبية والشرقية للمتوسط، استعداداً للإبحار في مغامرات غير مأمونة، تتساوى فيها فرص الموت والحياة.
تقرير المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقراً، صدر والدول الأوروبية الكبرى تتصارع في ما بينها على حصص المهاجرين من طالبي اللجوء الممكن لكل واحدة أن تستضيفهم، ولم تسفر المفاوضات بهذا الشأن عن أي توافق، وتمّ التفاهم على نظام تطوّعي لا يلزم أي دولة باستضافة أي لاجئ، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي لم يتنصّل من أي مسؤولية لاستضافة اللاجئين فحسب، وإنما تحرر من أي التزام لمساعدة الدول المطلة على البحر المتوسط على إدارة تدفق المهاجرين الذين يأتي أغلبهم من مناطق الصراع في إفريقيا والشرق الأوسط.
وتتحمّل إيطاليا العبء الأكبر في استقبال المهاجرين، ولم تساعد قمة خاصة للاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، على إيجاد تفاهم، ما دفع رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، إلى اتهام الزعماء المجتمعين في بروكسل، بأنهم لا يبالون إلا بمصالحهم، وقال للقادة ال27 «إن كانت هذه فكرتكم عن أوروبا، فيمكنكم الاحتفاظ بها لأنفسكم». ومثلما يؤكد هذا التصريح أن الخلافات بين القادة الأوروبيين عميقة، يشير أيضاً إلى عدم مبالاة أوروبية حيال هذه القضية الإنسانية الخطرة، التي كانت أوروبا والغرب عموماً من أسبابها.
بداية هذا الأسبوع عزا الرئيس التشيكي ميلوس زيمان، سبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، إلى التدخلات العسكرية للدول الغربية في ليبيا والعراق وسوريا.
ولم يجانب الرئيس التشيكي الصواب، فالتدخلات الغربية بحججها الواهية، هي التي صنعت كل هذه الفوضى المدمّرة، وأنبتت الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة في كل مكان.
ولكن الغرب، المكابر دوماً، لا يعترف بذلك مطلقاً، ويرى أن تدخلاته استجابة لنداءات إنسانية استغاثت به لنشر الديمقرطية، وتدمير أسلحة الدمار الشامل، أو نجدة ل «ثورة»، وعندما تسفر تلك التدخلات عن واقع كارثي يخلف مئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين، ويقفز بعيداً مكتفياً بتدوير الأزمات، لا حلها وإنهائها واستيعاب تداعياتها.
عندما يمتطي آلاف الأشخاص أسبوعياً قوارب متهالكة، ولا تتوافر فيها شروط السلامة إلى الضفة الشمالية للمتوسط، لا يغامرون سياحة أو بحثاً عن فرص عمل، وإنما بحثاً عن الأمن الذي افتقدوه في مواطنهم التي تدخل فيها الغرب بصورة وأخرى.
ففي البلاد التي تشهد قلاقل، أصبحت تعرف عمليات تطهير عرقي وتجريف كامل، يستهدف مكونات اجتماعية.
وتلعب الجماعات الإرهابية دوراً كبيراً في هذا المجال، وتكشف شهادات سوريين وعراقيين وليبيين وصوماليين، أدلوا بها لمحققين إيطاليين، أن الخوف من القتل والتطهير، هو الدافع الرئيسي لرحيل عائلات بأسرها عبر البحر إلى أوروبا.
ولكن هؤلاء المهاجرين اكتشفوا أن الأمنية التي يضحّون من أجلها، لا تستحق كل هذه المغامرة، فقد اكتشفوا أن الغرب والأوروبيين الذين تخلوا عنهم في بلادهم، وهم مسؤولون عن جانب كبير من مآسيهم، يتخلون عنهم أيضاً عندما يصلون أشباه موتى إلى الساحل الأوروبي، ومن لم يصل قد يكون نجا من خيبة الغربة، بعد أن ظن أن بإبحاره نسيان محنة الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً