اراء و أفكـار

الكراهية والتطرف يهددان المجتمع العراقي باجياله الناشئة

يرى العديد من الباحثين العراقيين، أن الأحداث التي يشهدها العراق تشير إلى ظاهرة غريبة تتمثل في نشوء جيل يمتلك كميات كبيرة من الكراهية والطائفية والتطرف والتشدد، وهو ما يراه الكثيرون خطرا يهدد المجتمع العراقي.
ومع تسارع الأحداث الإرهابية، والتمييز الطائفي في العراق، أصبح من السهل أن تسمع مفردات الطائفية والتشدد، تتصدر الأحاديث بشكل يوخز القلب والضمير، وتشعر أن العدوانية تملكت البعض حتى لم يعد هنالك حيز للتسامح، ولقبول الآخر بأية طريقة كانت، حيث بلغ التطرف اشده.

ونقسم باحثون عراقيون بشأن غياب قيم التسامح لدى الأجيال العراقية الحديثة، الى فريقين فهناك من يرى أن احداث العنف المستمرة منذ 12 عاما جعلتهم يعيشون وسط الخوف والرعب، وهو ما جعل قلوبهم تخشوشن ونفوسهم تتحجر، اما الفريق الثاني فيرى ان القاتل لا يستحق التسامح، بل رد الصاع صاعين، ورأى البعض أن الآخر حينما يريد ان يجعل منك كبشا ليس امامك الا ان تكون ذئبا، ويتفق الفريقان على ان “هدوء عواصف العنف واطمئنان النفوس وتعمق الثقة سيزيل اثار الغدر والخيانة ولا تهميش والتحريض على القتل والتدمير”.

تيارات عدوانية شرسة
الكاتب صباح عطوان قال: المجتمع يكتظ بتيارات عدوانية هجومية هي من إفرازات الحروب والفوضى، وقد ذكرت ذلك بتصريح مشهور وكعنوان لمقال، لذلك فالعصابات التي تطوف كاسماك القرش في شوارعنا لها ألف اسم ومسمى”.
وأضاف “من المؤسف أن التسامح أصبح خياليا، لذلك نحتاج إلى إطفاء نار الكراهية أولا، من ثم إعادة ترتيب البيت الإجتماعي. وخلق أطر تربوية تبتعد عن أطر التدين الطائفي، وانما الدين بمجموعه المتسامح لا الجانب العدائي منه… لا جانب خذوهم بالسيف”.
وتابع “بالنسبة للوضع العام أنا متشائم لكني أؤمن بطيبة شعبنا وكرم قبائله وعشائره، شعبنا تعرض إلى غزو من الداخل فإنقلبت مسالمة حياته إلى جوارح.. فصار حز الرقاب تسلية المتقاتلين، وبات القاتل للمظلوم قدوة للأسف”.
وختم بالقول إن “شعب العراق عرف بطيبته وكرمه ونخوته، لا شعب في الأرض بحجم مكارم شعبنا لكنهم اثخنوه جراحا وأكلوا قلبه واطفأوا او كادوا نور شمعته..نور دفئه وطيبه وتسامحه”.

أخطر من داعش بألف مرة
أما الباحث الاجتماعي محمد غازي الأخرس، فقد أكد أن “السبب راجع لنشوء هذا الجيل في ظل احتراب طائفي، وقال: يمر المجتمع العراقي بأزمة كبيرة وخطيرة، تتمثل في نشوء جيل من الشباب لا يعرف شيئا عن التسامح والاعتراف بالآخر، ولا يتخيل وجود شريك له في المجتمع يختلف عنه في المعتقد والرأي. وهذا راجع لنشوئهم في ظل احتراب طائفي ما أدى إلى انعزالهم داخل أسوار جماعاتهم الضيقة وفقدانهم أي إمكانية لتخيل وجود من هو مختلف عنهم”.
وأضاف: إنهم يعانون العمى، فلا يرون سوى أنفسهم والمتشابهين معهم في الأفكار. وفي مثل هذا الوضع، تشيع أفكار التعصب والتطرف والتعميم والقولبة، ويسهل ارتكاب الجريمة بضمير مطمئن، هؤلاء أخطر من داعش بألف مرة، وعلينا إعادة تأهيلهم نفسيا وثقافيا لاستعادة تلك القدرة الغائبة.
ويرى أن “مفاهيم التسامح ومشاركة المختلف والتعايش معه عبارة عن قدرات تنمو وتضمحل بفعل الظروف الاجتماعية، ومن المؤكد إنها اضمحلت لدى الجيل الناشئ بعد التغيير بفعل الاحتراب والتقوقع الطائفي، وعلينا المساهمة بإنمائها حتى لو تطلب الأمر القيام بثورة ثقافية كاملة تسهم بها المؤسسات الفاعلة”.

التربية المنغلقة والموروث المتشدد
الكاتبة الروائية لطفية الدليمي تقول “إننا نعاني في مجتمعنا العراقي من اللاتسامح كافراد وجماعات نتيجة التربية المنغلقة والموروث المتشدد، الذي يحظر مناقشة المقدس او حتى الاقتراب منه، وبسبب التعليم الشوفيني التلقيني الذي لايبيح الحوار والنقاش ويركز على قيم ومفهومات موروثة راسخة، فمعظمنا نشأنا في اجواء اجتماعية لا تؤمن بالحوار بل تفرض بدلا عنه الطاعة المطلقة في البيت والمدرسة وفي الحظيرة السياسية، كما تفرض على الافراد الطاعة التراتبية في البيت والمجتمع، فليس لنا ان نناقش او نعترض على اية فكرة يقدمها من هو اكبر منا، بل يتوجب قبولها دون جدال والا خرجنا على السراط المحدد للناس الأسوياء حسب المعايير السائدة، ومن هنا صارت لدينا نزعة خطيرة لتقييم الآخرين و اصدار احكام سلبية تخص تقويمنا لهم، واعتدنا ان نتسرع في الحكم على الناس والاشياء في ردود فعل لا تعتمد التفكير المنطقي بل تلجأ إلى التعميم المطلق في اصدار الاحكام، وساعد سلوكنا التعميمي في تجذر اللاتسامح والتعصب في شخصية الفرد العراقي الذي صيغت شخصيته تحت مطرقة الطاعة المطلقة والاذعان التام للاوامر العليا من الاباء والمعلمين والساسة”.
وأضافت أن “المتعصب اللامتسامح هو من يقسم العالم إلى ابيض واسود إلى خير وشر، وإلى حق وباطل فاللامتسامح يسكنه اللون الواحد، والاعتقاد المطلق بانه على حق دائما وكل ما عداه خطأ مطلق. والمتعصب اللامتسامح لايريد ان يعرف اسباب تعصبه ويفككها، فهو موقن من امتلاك الحقيقة المطلقة التي لايمكن الجدال فيها، ويدعو جميع الآخرين إلى الإيمان بما يؤمن به، والا فإن جزاءهم التهميش او الاقصاء والتصفية الجسدية، وهي اقصى ماوصلت اليه نزعة اللاتسامح بتفشي الارهاب المنظم”.

إصلاح النظام التربوي
التربوي والباحث نبيل ابراهيم الزركوشي، ناشط في مجال مشاريع المصالحة والتعايش السلمي، فقد أشار إلى ضرورة إصلاح النظام التربوي. وقال إن “الأمر يعود بالدرجة الأساس إلى نوع التربية والتي تعتبر المناهج الدراسية جزئية مهمة جداً منها، إذ كانت ولاتزال تعتمد على التفرد بطرح المواضيع وخاصة الآراء الدينية والتي في كثير من الأحيان تخضع للاختلاف، حالها حال الأحداث التاريخية وطريقة عرضها اذا كان من باب اولى، ان تعرض المناهج الدينية الاختلاف بين الآراء، من أجل ان نغرس في نفوس النشأ الجديد ان هناك آراء مختلفة حول الموضوع الواحد، وبذلك نكون قد وضعنا البذرة الصحيحة لثقافة الاختلاف المنطقي، وبالتالي تمت تهيئة الشباب لتقبل بعضهم البعض، وفهم الاختلاف على انه مصدر من مصادر البحث عن الحقيقة، وتعليمهم كيفية الاستنتاج المنطقي للأفكار وعدم تقبل الأفكار على علاتها وعدم تقديس الأشخاص، وجعلهم رموز مقدسة ونسيان أنهم أشخاص يتعرضون لضغوط وقد يصيبون في أمر ويخطئون في آخر”.
وأضاف “لذا نحن أمام مفترق طرق إما اصلاح النظام التربوي عبر اعتماد مناهج تتلائم مع ثقافة الفكر الحر، او البقاء على المناهج الدراسية القديمة، والتي من ثمارها عدم تقبل الآخر لأنها وضعت وفق سياسات وآراء أشخاص يقدسون الرمز الأوحد، وان الآوان ان نثور عليها كي نبني الإنسان الجديد الذي يرحب ويتقبل الآخر الذي يختلف معه في الفكر والمعتقد”.
ويرى أن “هناك تباعد كبير بين الأجيال الجديدة والقديمة من حيث الأفكار وعدم تقبل الجيل الجديد لأفكار وآراء الجيل الأكبر منه، كاشخاص او كافكار جماعات، ويعود ذلك إلى الحروب والأزمات التي مر بها المجتمع عبر الفترات السابقة مما أدى إلى عدم وجود أشخاص كبار يقودون العائلة، وأصبحت المرأة مع كل التقدير لدورها الا ان دور الرجل يبقى محورياً ومهما، من أجل طرح وفرض ثقافة الإحترام بين أفراد الأسرة الواحدة وبالتالي ينعكس ذلك على سلوكيات الأفراد في المجتمع″.

بغضاء وكراهية متجددة
وفي الختام، كان للمختص في علم الاجتماع محمد رضا الساعدي، رأي خاص قال فيه “منذ 12 سنة وليس هنالك سوى أخبار التفجيرات وانباء العنف، وصور القتل والدمار والخوف المنتشرة في كل مكان بل انها ازدادت وصارت لا تفارق الناس حتى في بيوتهم من خلال القنوات الفضائية غير المنضبطة، ومواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) مثلا التي صارت اقرب إلى الانسان من ظله وفيها يشاهد ويقرأ ما يستفزه على الطائفية والتشدد والتطرف، وفي الفيس بوك عوالم متجددة من البغضاء والكراهية والحقد ما يفيض عن حاجة اشرس الحيوانات واكثرها وحشية، وفيها من التحريض ما يفرغ القلب من العطف والرحمة”.
وأضاف أن “جيل الشباب هم المتصدرون لمشهد التلقي فأنهم يفرزون ما يتلقون باضافات كثيرة من دون النظر بروية او تأمل، لذلك تجد البعض منهم يكون اكثر شراسة من غيره ويختفي العطف وتنزوي الانسانية في نفسه او يغلقها إلى اشعر اخر، فيغيب التسامح منه تماما فلا يرى الا الحقد يتجسد أمام عينيه”.
ويرى أن “التسامح لن يعود الا حينما تكون الدولة حاضرة بشكل قوي بمؤسساتها ودستورها وانظمتها، وان لا يكون لكلام رجال الدين المتطرفين حضور على الشاشات ولا لكلام السياسيين الذين يحرضون على العنف ويعلنون الوفاءوالانتماء لطوائفهم، وحين يطمئن ابناء هذا الجيل على ان العدل ساد والانصاف صار ديدن الدولة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً