بين أصنام الأمس وأصنام اليوم
احمد الجنديل
عندما تُهزم الشمس، فلا بدّ للظلام أن ينتصر، وعندما يغيب الله، فلا بدّ للصنم من الحضور، ومع فقدان الأمن والأمان، تكون الفوضى تتمتع بكل عافيتها، وهذا ما حصل منذ بداية الإعصار الذي ضرب المنطقة بأسرها، حاملا على رأسه بشائر الربيع العربي، وحتى يومنا هذا.
لقد عجز (دعاة الحق الإلهي المطلق) عن صياغة نظام دنيوي اجتماعي نابع من المشروع الإسلامي، ولكي يبرروا فشلهم الذريع، نراهم قد انتهجوا لغة الوعيد والتهديد التي توارثوها باعتبارهم وكلاء الرب، والسير على سكّة الكذب والتبرير، واعتماد طريق المواعظ الرخيصة الذي تهدف إلى الاستفراد بالسلطة، والهيمنة على مقدرات الشعوب، والاستخفاف بمطالب الناس وتلبية حاجاتهم الضرورية المشروعة.
كما نجح (أدعياء الفضيلة) في تعبئة الشارع وحشده بجموع الفقراء والمغفلين، ولكنهم فشلوا فشلاً مخزياً في تحويل شعاراتهم إلى واقع ملموس، وهزموا في تحقيق أهداف الحشود التي صفقت لهم وهتفت بحياتهم، ولكي يعالجوا الفجوة الكبيرة التي حدثت نتيجة فشلهم، انقلبوا إلى أصنام من طراز مخيف، ومع شيوع ظاهرة الذبح المجاني، انتعشت تجارة المحرمات بكلّ ألوانها وأشكالها، من سرقة المال العام، إلى الاعتداء على الإعراض، إلى انتهاك حقوق الإنسان، إلى الالتفاف على تعاليم السماء.
وإذا كانت أصنام الأمس تُصنع من تمر وتؤكل من قبل المتضرعين إليها، فأصنام اليوم مصنوعة من بشر يأكل أحدهم الآخر، ويحلّ كلّ صنم دم الصنم الآخر بموجب تعاليم ما أنزل الله بها من سلطان.
وإذا كانت أصنام الأمس لا تحرك ساكناً، فأصنام اليوم قادرة على تحويل البلاد إلى بحيرة من الدم من أجل البقاء على عروشهم.
وإذا كانت أصنام الأمس تستقبل كلّ الأذرع الممتدة إليها، فأصنام اليوم تمتد أذرعها إلى كلّ مكان لتسرق وتنهب كلّ ما تقع عليه.
وإذا كانت أصنام الأمس تماثيل من حجر أو خشب أو معدن، فأصنام اليوم مخططات تستهدف دماء الفقراء، وأموالهم، ومستقبلهم، وسيناريوهات تغذي الحقد والكراهية بين صفوف عباد الله، وبرامج حديثة لبث الفتنة، وتقطيع أوصال الأوطان والشعوب على حد سواء.
وإذا كانت أصنام الأمس قد تحطمت تحت قبضات المسلمين الأوائل، فأصنام اليوم سجلت إساءات بالغة إلى ديننا الحنيف ونبينا الكريم، وما حصل في تونس وليبيا ومصر والسودان وغيرها من الدول التي حكمها أصحاب الحق الإلهي المطلق خير شاهد على ما نقول.
أستثني من حديثي هذا، التجربة الفريدة التي حدثت في بلدي، فقد مثلت مركز إشعاع لكل الشعوب المتطلعة إلى حياة حرّة كريمة قائمة على أساس العدل والإنصاف والنزاهة، ومتسلحة بمنطق العلم والتطور، ومتجردة من كل أشكال الطائفية والمحاصصة والتخندق، ومؤمنة إيمانا لا حدود له بالله والوطن والشعب.
حسبنا الله، ولا حول ولا قوّة إلا به، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.