اراء و أفكـار

أمريكا لا تملك إرادة الانتصار في الحروب

عاصم فاهم العامري

خسرتْ أمريكا كل الحروب منذ نهاية الحرب العالمية ما عدا حرب عاصفة الصحراء التي صممت فقط لا خراج صدام من الكويت، هذا ما أوضحه (دومينيك تييرني)، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوارثمور في كتابه الجديد الذي حمل عنوان «الطريقة الصحيحة لخسارة الحرب: أمريكا في عصر الصراعات التي لا يمكن الانتصار فيها». وقال (تييرني ) أنه منذ نهاية الحرب العالمية، حققت أمريكا نصرا واحدا صريحا فقط في خمس حروب رئيسية، وهو عملية عاصفة الصحراء. وكانت الحرب الكورية ورطة دموية، بينما مثلت الحرب في فيتنام هزيمة عسكرية صريحة، وبالكاد يمكن اعتبار حربي أفغانستان والعراق، أطول حربين تخوضهما أمريكا، انتصارات عسكرية.
لم يكن هناك شك أن معظم الصراعات التي تلت الحرب العالمية الثانية ظلت قائمة إلى مدة أكثر مما كان متوقعا، وأقل حسما مما كان مأمولا وأكثر تكلفة مما جرى الوعد به. وفي تحليله السبب، يوضح تييرني الفجوة بين أمريكا وأعدائها الحاليين بوضوح مدهش: “إنها حرب محدودة بالنسبة إلى الأمريكيين، وهي حرب شاملة بالنسبة لأعدائهم. وإن لدى الولايات المتحدة قوة أكبر، أما أعداؤها فلديهم إرادة أقوى”. الحقيقة الواضحة التي يثبتها الكاتب إن الأعداء من الإرهابيين وما يطلق عليهم مصطلح الجهاديين يستخدمون كل سلاح في متناولهم، ويحشدون بلا تحفظ ولا يكترثون بالضحايا من الأبرياء، وسيفعلون أي شيء حتى يضمنوا الانتصار. أما أمريكا، وعلى النقيض من ذلك، فهي تضحي بأرواح الأمريكيين، وتحشد أقل قدر ممكن من قواتها العسكرية، وستنسحب قبل ضمان الانتصار الكامل. لكن الفرق يتجاوز الوقت والتكتيكات، حسبما يشير تييرني.
ويركز الكاتب على قضية مهمة وهي المتعلقة بقوة الإرادة. فأفضل جيش في العالم تنقص فعاليته إذا افتقرت كتلة كبيرة من مواطنيه إلى الإرادة على الاحتشاد وتحمل الشدائد. في الواقع، إن هذين المفهومين متصلان ببعضهما: فمفهوم الفعالية يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستعداد للتحمل. ويفتقد الأمريكيون الرغبة في القتال لأنهم يفتقرون بالأساس إلى الاستعداد لحشد الجيش بشكل فعال. وانطلاقا من هذا الواقع عملت إدارة الرئيس بوش على استخدام الحشد العسكري ليس لهزيمة أعداء أمريكا في الميدان، وإنما أيضا لوضع معايير سياسية رئيسية ثبُت أنها بعيدة المنال تمامًا. بالطبع لا بد أن يكون هناك حكومتان في العراق وأفغانستان، لكن هاتين الحكومتين لا بد أن تكونا ديمقراطيتين، ولو كان الهدف هو تأسيس ديمقراطية، فلا بد ألا يحدث ذلك في أي وقت قريب. وبالنظر إلى مزيج تجريد الجيش من العديد من أفضل أدواته وتكتيكاته ومن ثم تحميله بمهمة إنجاز ما يعد مستحيلا ثقافيًّا، فلماذا العجب من خسارة الجيش للصراعات باستمرار؟ وحتى لو أعاقت الجيش قواعد اشتباك سخيفة، فنحن أقوياء جدًّا على أن نواجه هزيمة عسكرية، ولكننا نعتبر أنفسنا ضعفاء جدًّا حتى ننتصر بحق. ولن نمتلك القدرة مطلقًا على إعادة إنتاج العنف والمجتمعات القبلية خلال الإطار الزمني الذي تتطلبه الوقائع السياسية والاقتصادية.
ويعبر الكاتب عن شكوكه أنه في ظل غياب تهديد وجودي وشيك، سيظل الأمريكيون على سذاجتهم وإنكارهم والعمى الأيديولوجي. وفي نفس الوقت، لا يمكنهم، على المدى الطويل، تحمل جهاد متصاعد. يقول الكاتب إنه يخشى أن التاريخ سيعيد نفسه، حيث أن أمريكا ستكون لديها إرادة كافية لتفادي الكارثة ولكنها لا تكفي لضمان الانتصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً