اراء و أفكـار

مؤامرة لن تنتهي

احمد السهيل

منذ فترة طويلة ونحن نسمع عند كل مشكلة او ازمة تمر بها البلاد “بالمؤامرة”، حيث اننا كلما حلت علينا لعنة من لعنات التخلف وسوء ادارة الدولة والانكسارات المتلاحقة على جميع الاصعدة، لا نستطيع تفكيك اصول المشكلة والوقوف على العلة، لاننا سرعان ما نختزل كل المشاكل التي نمر بها بمصطلح بسيط يخفف عنا وطأة البحث والعمل الجاد للوصول لحلول مجدية، فنستخدم “المؤامرة” كحل سهل يجعلنا ننام مسترخين بينما بلداننا تحترق بحجة ان المؤامرة اكبر من أن نوقفها.
إيماننا بشكل غير واع بها يأتي من بنيتنا الاجتماعية والفكرية التي تشبعت بهذا الفكر حتى اصبح جزءا مهما من معتقداتنا. حيث ان تاريخنا زاخر بالكثير من الحوادث التي تندرج ضمن هذا التصنيف.
سياسيونا بدورهم لم يدركوا حتى اللحظة ان الدول في القرن الحادي والعشرين لاتساوى الا مجموعة من الأطر القانونية والسندات المصرفية، وانها لا تقاس بحجم “الغيرة” ولا بمقدار الانتماء لهوية ما، بقدر ما تقاس باحجام اقتصادياتها، فهم منغمسون في مشاريع فساد لا نهاية لها ويروجون بكل ما اوتوا من قوة لفكرة المؤامرة واننا في هذا الوطن مستهدفون دوما لتغييب عقول الناس عن مليارات الدولارات التي تحولت من اموال العراق الى حساباتهم المصرفية، ويسلكون نفس السبيل الذي سلكه صدام حسين عندما حاول ان يخلق لدى العراقيين فكرا جمعيا بأنهم مستهدفون وان كل الامم تتآمر عليهم لانهم خير شعوب الارض وعليهم تحمل الاذى والجوع والفاقة لان للمعركة طابعا “مقدسا” لا يمكن التنازل عنه.
هذا السخف نفسه يتم تروجيه اليوم بماكنة اعلامية اوسع ووسائل اكثر اقناعا تجعل من العراقيين مؤمنين بشكل كامل بالمؤامرة التي تستهدف كل مقدساتهم. فمن جانب يؤمن البعض بأن كل ما يدور من مشاكل في الشرق الاوسط ليس الا مؤامرة صهيو- امريكية عربية، لتدميرهم، والبعض الاخر يؤمن بشكل واضح وجلي، ان المؤامرة “الصفوية” سخرت كل دول العالم بشكل لا شعوري للقضاء على وجودهم في العراق.
نحن مستمرون بسنتنا وشيعتنا في عزل انفسنا اقليميا وعالميا ونظن ان العالم برمته يحوك علينا مؤامرات شتى حتى يقضي على جيل من “مقاتلي الله وجنده” على حد تعبير مخيلاتنا، وحتى هذه اللحظة لم نخرج من اطار التفكير باننا “خير بني البشر” وان جميع الامم تعمل ليل نهار في سبيل تدميرنا اجتماعيا ودينيا.
وفي الوقت الذي ينهمك العالم بصياغة اطار جديد للتعاملات الاقتصادية وتحسين معيشة مواطنيه والوصول لاقصى درجات الرفاهية لازلنا نحن نبذل قصار جهدنا في البحث عن مبررات وهمية “للمؤامرة”، وفي حين ان العالم يتوسع سياسيا ودبلوماسيا وتجاريا تتوسع ماكناتنا الرسمية وغير الرسمية في تحفيز كل ماهو همجي من اخلاقيات انسان العصور الوسطى.
وفي الوقت الذي تحدث ثورات عظيمة للتكنولوجيا تجعل من العالم قرية صغيرة نستمر في عزل انفسنا عزلا تاما بسبب سوء السلوك السياسي للنخبة وانتاج شعوب يائسة لا تعلم ماذا يحصل خارج جدارن سجنها الكبير.
سطحيتنا في التعاطي مع الازمات والبحث دوما عن مبررات اقل ما يقال عنها انها سخيفة حد اللعنة للخروج من مأزق صياغة اطر جديدة للدولة ضمن مسار قانوني يكفل لنا العيش بسلام لن يؤدي الى اية نهاية منطقية لنظرية المؤامرة لا في عقولنا ولا حتى في عقول ساستنا الاكارم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً