اراء و أفكـار

النزيف القاتل لمستشاري الحرس الثوري في معارك العراق

داود البصري
ثمة حقيقة ميدانية شاخصة باتت تطبع الوضع الميداني في معارك العراق وهي زيادة تدفق المستشارين العسكريين التابعين لحرس الثورة الإيرانية لإدارة المعارك بعد انهيار المؤسسة العسكرية العراقية وعدم قدرتها على مجاراة تكتيكات حرب العصابات لجماعة تنظيم الدولة, إضافة إلى حالة الانهيار المعنوي الواضحة, مما أضفى على النزاع أبعاداً طائفية خطرة تمثل في زج الإيرانيين بخيرة مستشاريهم من صفوف المقاتلين القدماء خلال مرحلة حرب الخليج الأولى, وحيث خسر الحرس الثوري عدداً كبيراً من ضباطه كان آخرهم, وليس أخيرهم, الجنرال اللورستاني جاسم نوري في معارك الأنبار.
بمصرع الجنرال الحرسي الإيراني اللورستاني جاسم نوري على تخوم مدينة الرمادي يتزايد باضطراد عدد القتلى الإيرانيين في معارك العراق في خسائر بشرية مباشرة اعترفت السلطات الإيرانية رسميا بها, ووفق أرقام وأعداد متوالية وباضطراد مستمر, خصوصا أن هناك العديد من الصور التي توثق مسيرة مئات التوابيت الإيرانية وهي تشق طريقها للدفن في بلادها عبر نقاط الحدود المشتركة بين البلدين, ففي الأشهر الستة الأخيرة سقط عدد كبير من جنرالات الحرس الثوري الإيراني ومن ضمنهم طيارون أيضا تحت ذريعة الدفاع عن الأضرحة المقدسة في العراق والشام, رغم أنهم سقطوا في معارك ريف دمشق والقلمون وحمص وإدلب وحوران وتكريت والرمادي والموصل, أي بعيداً تماما عن مراكز الأضرحة المقدسة التي تشير لها البيانات الرسمية الإيرانية عادة, ولعله من الغريب جدا أن يكون مئات القتلى الإيرانيين من فئة المستشارين, فهل أن صفاتهم الاستشارية تجعلهم في خطوط الجبهة الأولى مما يعرضهم للإصابات المباشرة, أم أنهم مقاتلون من الطراز الأول ومهماتهم تتعدى بكثير المهامات الاستشارية النظرية التي لا تتطلب التواجد في الخطوط الأولى لكون مهامهم أخطر وأكبر بكثير مما تشير له البيانات الإيرانية؟
أما الملاحظة الرئيسية الأخرى فهي أن جميع الضباط الذين قتلوا كانت لهم مساهماتهم السابقة في الحرب العراقية – الإيرانية ( 1980/1988) ويعتبرون بالنسبة إلى جهاز الحرس الثوري النواة التأسيسية الأولى والفاعلة لذلك الجهاز الذي تتركز مهمته في دعم الحركات السياسية والطائفية الموالية للنظام الإيراني, وتعزيز ملف نشر وتوسيع الثورة الإيرانية ويحظون بثقة القيادة الإيرانية, السياسية والفقهية العليا, خصوصا أن قائدهم السردار قاسم سليماني قائد “فيلق القدس”, بات يعتبر في التصنيف العسكري الإيراني بمثابة القائد العسكري العام الميداني للجهد العسكري في الجبهتين السورية والعراقية.
النظام الإيراني لايثق تماما بمؤسسته العسكرية الممثلة بالجيش الرسمي لاعتبارات أمنية وموضوعية عديدة لذلك فقد كان الثقل منصبا على مؤسسة الحرس الثوري التي تتدخل في دول الجوار وتوسع مجال تدخلها تحت الصفة الاستشارية التي تخفي أشياء كثيرة تحت إطارها العام والغامض, فالصفة الاستشارية تعني أساسا قيادة الجيوش المحلية الطائفية التي تمت تعبئتها من خلال مجموعة الأحزاب الطائفية القائمة في العراق, فهنالك أكثر من 42 ميليشيا طائفية تحت أسماء وعناوين مذهبية لها دلالاتها بدأت إرهاصاتها مع لواء “أبي الفضل العباس” الذي خاض معارك ريف دمشق ثم تشعبت الأسماء والمسميات مع دخول “العصائب” وكتائب “حزب الله”, ثم أتبع ذلك دخول القيادات العراقية التي عملت طويلا ضمن إطار المشروع التبشيري الإيراني في الشرق منذ ثمانينات القرن الماضي, مثل هادي العامري أو الإرهابي أبو مهدي المهندس أو قائد سرايا الخراساني الإيرانية علي الياسري وغيرهم العديد من القيادات السرية التي ليست معروفة للإعلام وباتت تشكل اليوم الطليعة الجوهرية للجهد العسكري وللجيوش الطائفية الإيرانية في العراق وتتسلم أوامرها المباشرة من مرجعياتها الإيرانية ( قادة الحرس الثوري ) وليس من القيادات العسكرية العراقية التي تضاءل دورها لحد التلاشي, وليس من القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي.
المعركة في الباطن والظاهر والأول والآخر هي معركة المستشارين الإيرانيين في العراق الذين باتت طوابير توابيتهم المتدفقة تملأ المراكز الحدودية العراقية. الإيرانيون بلغوا قمة توسعهم وانتشارهم الاستنزافي وهم لن يغامروا بمديات أكبر للتدخل في ظل وجود الميليشيات المحلية المقاتلة, وطوابير المستشارين الذين لم يقتلوا في معركة القادسية ولكنهم يضمحلون اليوم في معارك العراق… حكاية المستشارين هي حكاية الاستنزاف الإيراني بأوسع آفاقه.
وما زالت مقابر إيران بانتظار توابيت المستشارين المتدفقة, كما أن الحرب في العراق قد أضحت نقطة استنزاف مركزية قاتلة للجهد العسكري الإيراني وبما سينعكس على الوضع الإيراني الداخلي قريبا… ترقبوا المفاجأة الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً