اراء و أفكـار

واشنطن تركت «داعش» يستولي على الرمادي

إيلي ليك
كانت الولايات المتحدة تشاهد مقاتلي تنظيم داعش، وسياراته، ومعداته الثقيلة، وهي تتجمع على أطراف مدينة الرمادي قبل نجاحه في استعادة المدينة في منتصف شهر مايو (أيار)، مع ذلك لم تصدر أي أوامر بشنّ هجمات جوية على الركب قبل بدء المعركة؛ وتركت مهمة القتال للقوات العراقية، التي تخلت في النهاية عن مواقعها. وذكر مسؤولون استخباراتيون وعسكريون أميركيون مؤخرًا أن واشنطن كان لديها معلومات استخباراتية مهمة بشأن هجوم «داعش» الوشيك على مدينة الرمادي. وكان الأمر بمثابة سر معلن بالنسبة إلى الجيش الأميركي حتى في ذلك الوقت.
وكان تنظيم داعش يتنافس على أراضي مدينة الرمادي وما حولها لأكثر من عام وتحدث عن أهمية استعادة السيطرة على المدينة. وكان لدى الدوائر الاستخباراتية الأميركية تحذير وإنذار من اعتزام تنظيم داعش تنفيذ هجوم أكبر وأقوى على مدينة الرمادي لأنها كانت قادرة على رصد المدفعية الثقيلة، والسيارات المفخخة، والتعزيزات من خلال التصوير والتنصت على محادثات القادة المحليين للتنظيم. وكان هناك مراقبون آخرون يرغبون في الحديث علنا عن توقع الكثيرين لهجوم تنظيم داعش على مدينة الرمادي. وقال ديريك هارفي، مستشار استخباراتي سابق لديفيد بتريوس وقت تنفيذه لاستراتيجية مكافحة التمرد في العراق: «العمليات في الرمادي مستمرة منذ 16 شهرا». وأوضح قائلا: «يعلم الجميع أن مدينة الرمادي لسبب ما كانت محل اهتمام كبير»، لكنه أقرّ أنه لم يعلم مسبقا بالوقت المحدد لهجوم الرمادي، وأشار إلى أنه فوجئ بمدى نجاح العمليات. وأخذ معهد دراسة الحرب، ومقره واشنطن، يحذر في الأوراق البحثية الخاصة بالسياسات من استهداف تنظيم داعش لمدينة الرمادي. وأخبرتني كيم كاغان، رئيسة المعهد، أن تقديراتهم كانت تشير إلى تنفيذ داعش لهجمات مرحلية في عدة مناطق مختلفة في العراق خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو من أجل تشتيت قوات الأمن العراقية ومنعها من تعزيز مكاسبها بعد سقوط مدينة تكريت.
ورفضت متحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية مناقشة أي معلومات استخباراتية محددة؛ لكنها قالت: إن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة كانت تدعم قوات الأمن العراقية بالهجمات الجوية، وأعمال المراقبة، من أجل الدفاع عن مدينة الرمادي.
كذلك شنت الولايات المتحدة هجمات جوية في الماضي ضد تنظيم داعش في الرمادي. وقالت المتحدثة جينيفي ديفيد: «يمكن أن يمثل القيام بعمليات جوية على مناطق مأهولة بالسكان يختبئ بها تنظيم داعش تحديات. ومن خلال عملية استهداف ديناميكية متغيرة باستمرار نتفحص كل هدف جيدًا بالتعاون مع شركائنا في قوات التحالف، والقوات العراقية، لضمان أننا نقوم بكل ما في وسعنا لتقليص معدل الإصابات بين المدنيين وحجم الدمار الشامل». وقال جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ ورئيس لجنة القوات المسلحة بالمجلس، الأسبوع الماضي إن مهمة واحدة بين كل أربع مهمات جوية كانت تتضمن هجوما جويا فعليا في الحرب الجارية. وقال ديفين نونيز، رئيس اللجنة المختارة الدائمة للاستخبارات في مجلس النواب: «إذا كانت الإدارة سوف تستعين بالهجمات الجوية فحسب، فسوف توسع نطاق تعريفها للهدف. لقد ظللت أشعر بالقلق لفترة طويلة من سقوط الكثير من المدن العراقية في النهاية بسبب العدد المحدود للأهداف. ولم يمثل سقوط مدينة الرمادي بالنسبة لي أي مفاجأة». الأكيد هو أن قواعد المشاركة، التي تحكم الهجمات الجوية الأميركية، لم تكن الانتكاسة الوحيدة في معركة الرمادي، فقد انسحب الجيش العراقي من مواقعه في المدينة مما دفع آشتون كارتر، وزير الدفاع، خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى التصريح لقناة «سي إن إن» بأن الولايات المتحدة تفاجأت بعزوف العراقيين عن القتال. مع ذلك لم يتم تزويد القوات، التي تم نشرها في مدينة الرمادي، بالإمدادات اللازمة كما ينبغي بحسب ما أفاد به مسؤولون عسكريون واستخباراتيون أميركيون.
وكانت هناك مشكلة أخرى في المعركة وهي أنه رغم تدريب القوات الخاصة الأميركية للقوات العراقية منذ فصل الصيف داخل القواعد العسكرية، لا يسمح بمشاركة العراقيين في المعركة. وقال هارفي: «أسمع كثيرا داخل دائرة العمليات الخاصة أننا نضع كافة الخيارات على الطاولة، ولا نستخدم القدرات التي تتضمن مخاطر محدودة، والتي من شأنها أن تحدث فرقا».
وليس من الواضح ما إذا كانت توصيات هارفي سوف تمثل تجاوزا للخطوط الحمراء، التي وضعها الرئيس أوباما، والتي تمنع منح تصريح بتنفيذ عمليات قتالية برية في العراق؛ لكن الواضح هو أنه في الوقت الذي تمتنع فيه الولايات المتحدة عن اتخاذ مثل تلك الإجراءات بعد نحو عام من بدء الحرب الجديدة في العراق، تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، واستولى مؤخرًا على مدينة الرمادي ذات الأهمية الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً