اراء و أفكـار

حكومة العراق والغرق في بحر عملاء إيران

داود البصري

بدلا من أن يصدر بيان عسكري وستراتيجي محترف من وزارة الدفاع العراقية يعلن بدء تنفيذ الخطة الستراتيجية لتحرير الرمادي من قبضة تنظيم الدولة والمباشرة بإعادة سيطرة الجيش والحكومة العراقية على زمام الموقف وهو مايحصل في جميع البلدان المتحضرة, فإذا بالوضع العام في العراق في ظل سلطة الضعف والهوان والهزيمة ينقلب بالكامل ليعلن بيان الهجوم أحد عناصر وقيادات الحشد الشعبي الكفائي ( أحمد الأسدي ) وهو ليس له أي صفة عسكرية رسمية, مما يعكس بوضوح حالة الضياع القيادي العراقي وسيطرة الحزبي والطائفي على العسكري, وبشكل فج ورخيص ومؤلم يؤشر بجلاء تام على عشوائية وتخبط الوضع القيادي العراقي وسيادة الهرجلة والفوضى في قمة السلطة العراقية الضائعة والتائهة. فالحرب القائمة في العراق ليست مجرد حرب تقليدية بين جيش وجماعات تخريبية, بل أنها حرب طائفية ملعونة ومجنونة تديرها أطراف خارجية لعل أوضحها للعيان هو النظام الإيراني ذاته الذي يحتل مستشاروه العسكريون, وبعض من قادة جيشه مواقع قيادية مهمة في إدارة ساحة العمليات في العراق, كما أن نخبة القوات الإيرانية المقاتلة متواجدة فعلا في العمق العراقي لاللدفاع عن الشعب العراقي كما يتوهم البعض بل أن بغداد كما دمشق قد أضحت بمثابة خط الدفاع الإيراني الأول عن حياض عمق النظام الإيراني في طهران كما أن إيران قد حققت هدفها الستراتيجي الطموح بجعل الدفاع عنها من مسؤولية حلفائها الوثيقين, بل رجالها من أحزاب وجماعات السلطة العراقية, وكم كان ملفتا للنظر ذلك الشعار الذي أعلن لتحرير الأنبار وهو “لبيك يا حسين” في استعارة إيرانية واضحة لأسلوب الإدارة الإعلامية واللوجستية للعمليات, فحشر اسم الإمام الحسين ( رضي الله عنه ) في عمليات حربية وفي معركة ذات ابعاد وجوانب طائفية أمر مضر كثيرا بالوضع الداخلي العراقي المتوتر! وهو ما أعلن عنه بوضوح وتجرد بيان للإدارة الأميركية الذي انتقد تلكم التسمية, وذلك المنهج الذي لن يفيد أبدا في حل المشكلات العالقة في العراق. من الواضح إن وزارة دفاع حكومة حيدر العبادي لا تدير العمليات بشكل قوي ومباشر, بل أن الإعلام العراقي بات يظهر علنا مقابلات وتصريحات للإرهابي الدولي, نائب رئيس الحشد الشعبي المدعو أبو مهدي المهندس وهو يعلن رؤيته وخططه العسكرية, رغم كونه مطاردا أميركياً وكويتيا ومحكوما بالإعدام غيابيا في الكويت, وليس له أي صفة رسمية وعسكرية في العراق إلا من خلال فتوى “الحشد” التي أصدرها السيستاني ورفع رايتها أنصار ومقلدي الخامنئي! في وضع طائفي وعسكري عراقي عجيب وغريب. معركة الرمادي بقيادة جماعة إيران في العراق ستكون نتائجها مؤذية بالكامل للوضع الداخلي العراقي, وحالة السلم الأهلي, وستترك تداعيات مؤلمة, وهي مهما كانت نتائجها لن تحسم المعركة, بل ستزيد النار اشتعالا وسيتطور الموقف الميداني في جبهات متنقلة أخرى. ضعف السلطة المركزية وخضوعها بالكامل لمراكز القوى الإيرانية المهيمنة ليس سوى وصفة حقيقية للدمار العراقي المريع الذي ينحدر إليه العراق, وهو يقطع المسافات نحو جحيم صراعات طائفية مريضة لن تبقي ولن تذر, وستكون عنوانا لمراحل صراع أشد خطورة وحساسية ودمار. الشعارات الطائفية الفجة وعقلية فرض الرؤى والقناعات الطائفية لن تحقق المطلوب, ولن تجلب نصرا ولو مزيفا, بل ستعمق أخاديد الدم والانتقام والحقد. السلطة العراقية تساهم بضياعها في تكريس الوضع المأسوي في العراق, وحرب التقسيم العراقية قد أطلت بقرونها عبر تلكم الشعارات البائسة بعد أن تنحت السلطة المركزية ومهدت السبيل للعصابات الطائفية لاتخاذ القرارات العسكرية والسياسية التي ستؤدي للتقسيم والتشظي النهائي للمكونات العراقية المنقسمة أصلا, الحكومة العراقية الحالية سيحملها التاريخ المسؤولية الكبرى في ضياع العراق وتدمير الشرق الأوسط. أما حرب الإرهاب فلن يحسمها الطائفيون الجهلة, بل الوطنيون… فترقبوا حلقات مقبلة من مسلسل العبث الطائفي المؤذي والشنيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً