اراء و أفكـار

«انتكاسة» الأنبار أم فشل حكومة؟ العبادي؟

القدس العربي

ربما كانت مهينة حقا، تلك الصور التي انتشرت امس لـ «الانسحاب غير المنتظم» لقوات الجيش العراقي من مدينة الرمادي، وما بدا على قواته من هلع وهي تفر تحت النيران، الا انها لم تكن مفاجئة. فالرمادي «آيلة للسقوط» في ايدي تنظيم «الدولة» منذ فترة طويلة، مع النقص الشديد في العتاد والاسلحة والقوات الذي تعاني منه العشائر، وفشل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي او تقاعسه عن اغاثتها.
ولا يمكن هنا المبالغة في حجم الكارثة، فالرمادي مركز محافظة الانبار (التي تعادل ثلث مساحة العراق)، وتحظى باهمية رمزية واستراتيجية كبرى، خاصة انها تربط بين بغداد وكل من سوريا والاردن. وبالطبع فان سقوطها يمثل تهديدا مباشرا لضواحي بغداد، حيث يعتقد انه تنتشر بالفعل خلايا نائمة للتنظيم بانتظار «ساعة الصفر».
ورغم امكانياتها المحدودة، تمكنت الرمادي بالفعل من الصمود لسبعة عشر شهرا امام هجمات التنظيم، حتى حانت امامه الفرصة ليحقق اول انتصار مهم بعد خسائره في محافظة صلاح الدين. وبدلا من ان يكون الانتصار في تكريت حافزا للقوات العراقية للتقدم نحو الموصل وتحريرها، تجد نفسها اليوم في مواجهة معركة صعبة، يراها التنظيم «المواجهة الأخيرة» قبل الزحف نحو العاصمة.
وثمة اسئلة صعبة لا مفر هنا من طرحها، خاصة مع ارتفاع أعداد الضحايا، حيث قتل 600 عراقي وفر سبعة الاف مدني من منازلهم على خلفية اعمال العنف التي شهدتها مدينة الرمادي وسقوطها بيد تنظيم الدولة الاسلامية في اقل من يومين حسب ما صرح المسؤول العراقي فالح العيساوي نائب رئيس مجلس الأنبار:
أولا: ماذا فعلت حكومة العبادي طوال الشهور الماضية لدعم القوات الحكومية في الرمادي، توازيا مع رفضها للدعوات المتكررة التي اطلقتها العشائر هناك لامدادها بالاسلحة والقوات اللازمة للدفاع عن المدينة؟
ثانيا: اذا كانت حكومة العبادي انتهت اخيرا الى ان الاستعانة بقوات الحشد الشيعي ضرورية لانقاذ الرمادي، فما سبب تأخرها في اتخاذ هذا القرار؟ وهل كانت تنتظر ان تأتي الموافقة من واشنطن أولا؟
ثالثا: من المسؤول عن تكرار مشهد «الهروب الكبير» لقوات الجيش في معركة الرمادي، مستنسخا ما حدث في الموصل العام الماضي؟ وهل يعبر هذا السلوك عن المستوى الحقيقي لمدى تدريبها واستعدادها القتالي؟ ام ان هناك ثمة «مؤامرة» لتسليم المدينة كما تروج بعض الجهات داخل العراق وخارجه؟
رابعا: أين الوعود التي قطعها العبادي شخصيا على نفسه قبل عام تقريبا في اعقاب سقوط الموصل، باعادة بناء الجيش العراقي على اسس احترافية وطنية، تجعل ولاءه للعراق وليس لحزب أو طائفة؟
مهما كانت المبررات التي يمكن ان تسوقها الحكومة، وفي غياب جيش مركزي حقيقي، فان العراق اليوم اصبح ممزقا بلا دولة، اذ تتولى الدفاع عنه ميليشيات متهمة بالطائفية والتبعية الى ايران، وادينت بارتكاب انتهاكات حقوقية في تكريت وغيرها، والآلاف من المستشارين الامريكيين والإيرانيين وغيرهم، وطائرات لتحالف دولي يتهمه البعض أنه يساعد تنظيم «الدولة» بدلا من ان يحاربه.
ومع الانهيار الأمني الكامل في الأنبار، ليس غريبا ان يهرع وزير الدفاع الايراني الى زيارة بغداد امس لبحث الاستعدادات للمعركة الجديدة، وهي لن تكون سهلة باي حال، وايا تكون نتيجتها فانها ستؤدي الى تغيير استراتيجي لموازين القوى عراقيا، وربما اقليميا، بالنظر الى اهمية الانبار بالنسبة للاردن وتنظيم «الدولة» على السواء.
اما الولايات المتحدة، فبعد ان كانت تعارض دخول قوات الحشد الشعبي الى الانبار، خوفا من تمدد الهيمنة الايرانية وليس حرصا على أهالي المحافظة، اضطرت الى تغيير موقفها «مشترطة ان تخضع القوات لسيطرة الحكومة»، وهو مجرد تبرير لموقفها المريب والعاجز عن تغيير موزاين القوى على الارض.
ولعل سقوط الانبار يعيد طرح الاسئلة بشأن حقيقة دور التحالف الدولي، ومدى قدرته او رغبته في وقف تمدد تنظيم «الدولة»، خاصة ان بعض القادة العراقيين يتهمه بأنه فشل في احراز اي نجاح عسكري بعد مئات الغارات التي شنها في العراق؟
وأخيرا فاننا أمام فشل جديد لحكومة العبادي، وليس انتكاسة للانبار التي صمدت قدر ما استطاعت في مواجهة معطيات سياسية وطائفية واستراتيجية مستحيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً