اراء و أفكـار

تحرير الموصل… بين الحقيقة والخيال

داود البصري
تتسارع الأحداث العراقية وتتطور الانهيارات الأمنية و العسكرية لتشكل عنصرا ضاغطا ورهيبا على الحكومة التي تعيش نتائج تداعيات إقليمية عديدة ومتنوعة, فالعمليات العسكرية في الأنبار وغرب العراق هي اليوم في عنق الزجاجة, و أحاديث التقسيم والتشطير قد تصاعدت بشكل خطير, وبما يضع الخطط الحكومية لعمليات عسكرية مقبلة وحاسمة موضع شك!
ففي تصريح بهلواني مثير , وفي زمن عراقي عجيب! ومع توالي النكسات العسكرية وهيمنة الميليشيات والعصابات الطائفية على القرار العسكري والأمني العراقي , أطلق وزير الدفاع مفاجأة من العيار الثقيل حين أعلن عن قرب تنفيذ عمليات تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الذي إجتاحها, وهيمن عليها منذ العاشر من يونيو 2014 أيام حكومة نوري المالكي, وهو الإجتياح الذي تم من دون محاسبة أحد لا من العسكريين والقادة الميدانيين, ولا من السياسيين أو القادة الإداريين من المسؤولين المفترضين عن الهزيمة, فلجان التحقيق البرلمانية التي تشكلت كانت قراراتها ضبابية وغير واضحة لدرجة المهزلة! , ونوري المالكي الذي يتحمل المسؤولية الأولى في تلك النكسة بإعتباره وصفته قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة خرج من الكارثة بمنصب أعلى, وهو النائب الأول لرئيس الجمهورية, ولم تتجرأ أي لجنة تحقيقية على التقرب منه أو تحميله, ولو جزءا من المسؤولية رغم أن قرار الإنسحاب من الموصل كان قراره وعبر الهاتف, أما وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي فهو الآخر ركب سفينة النجاة وخرج ولم يعد؟ ولم توجه له أي مسؤولية ؟ فمن المسؤول عن الهزيمة وضياع ثلث العراق إذن ؟
العراق اليوم, وبعد أن وصلت أحوال الصراع الطائفي فيه لأسوأ وأشد مراحلها قتامة ودموية هو بمثابة مرجل يغلي ويفور ويهدد بالانفجار الفعلي, بل والتشطير والانقسام , مع توالي النكسات والهزائم العسكرية الثقيلة وتدني المستوى القتالي لجيش الدولة وارتفاع أسهم الجماعات و التشكيلات العصابية الطائفية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني التي باتت تهيمن على ساحة العمليات وتحاول مصادرة القرار العسكري و الستراتيجي وتفرض رجال منظومتها كقادة عسكريين بحكم الواقع , فجماعات الحشد الطائفي باتت تتعمد أسلوب الهجوم المباغت على مراكز الشرطة والجيش وترتكب مجازر طائفية وتفرض سطوتها وابتزازها بقوة السلاح وتحاول فرض تغييرات ديموغرافية وتوريط العراق في حروب و أجندات لصالح النظام الإيراني مثل سعي تلك الميليشيات إلى نقل عناصرها إلى الحدود السعودية لتهديد المملكة بسبب الموقف الإيراني وتابعه العراقي الرافض لعاصفة الحزم في اليمن! ووسط هذه الأجواء المحتقنة خرج وزير الدفاع خالد العبيدي بتصريحه حول قرب تحرير الموصل, رغم أن العمليات في الأنبار لم تحسم بعد, ورغم فقدان مصفى بيجي, ورغم عودة العمليات إلى شمال تكريت واستمراريتها في الفلوجة ومحيطها, إضافة إلى الانهيار الأمني المدمر في العاصمة بغداد وإشتعال حرب السيارات المفخخة التي تحصد أرواح العشرات يوميا, وفي ظل خلافات جديدة وجدية وخطيرة نشأت بين رئاسة الحكومة وبين رئاسة وقيادة ميليشيات الحشد الشعبي التي باتت تتصرف بمنطق الدولة داخل الدولة, وتحاول فرض قراراتها و أجندتها حربا علنية للسيطرة على السلطة والقرار يقودها الإرهابي الدولي, نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الذي يبدو واضحا أنه بصدد الهيمنة على كل الأصوات الشيعية الأخرى وخصوصا صدامه الأخير مع المجلس الأعلى وقيادة عمار الحكيم, إذ يبدو واضحا ان هناك توجها ايرانياً لتوحيد الخطاب والرأي السياسي والعسكري الشيعي, وتحت قيادة مركزية مرتبطة بطهران محورها كل من المهندس وهادي العامري! وهو توجه يصطدم بصلاحيات رئيس الحكومة العراقية ذاتها حيدر العبادي الذي يمشي على الجمر وهو يتابع مسلسل التدهور والانقسام حتى ضمن الطائفة الواحدة؟ والكلام عن حرب لتحرير الموصل يبدو اليوم في ظل التطاحن مجرد ثرثرة أكثر من كونه واقعاً ميدانياً, فلا الوضع الداخلي ولا الوضع الإقليمي يسمح بتلك الحرب التي لن تكون سهلة بعد أن وصل الصراع الطائفي العراقي لأقصى مدياته , وبعد أن أضحت الوجبات اليومية من الجثث المعدومة على الهوية هي السمة العامة لرعب الحياة في العراق الذي تتطاحن حوله وفيه كل الأجندات و النظريات بما فيها تلك المستلة من أعمق خرافات التاريخ!
حرب تحرير الموصل باتت أشبه بالغول والعنقاء… والسلم الأهلي في عراق يزحف على بطنه نحو الكارثة! والقيادة العسكرية و السياسية هي اليوم في وضع لا تحسد عليه بالمرة! – تتسارع الأحداث العراقية وتتطور الانهيارات الأمنية و العسكرية لتشكل عنصرا ضاغطا ورهيبا على الحكومة التي تعيش نتائج تداعيات إقليمية عديدة ومتنوعة, فالعمليات العسكرية في الأنبار وغرب العراق هي اليوم في عنق الزجاجة, و أحاديث التقسيم والتشطير قد تصاعدت بشكل خطير, وبما يضع الخطط الحكومية لعمليات عسكرية مقبلة وحاسمة موضع شك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً