اراء و أفكـار

مجازر دموية لإنهاء الدولة العراقية

داود البصري
لم تتعرض الدولة العراقية لخطر وجودي أكثر مما تتعرض له اليوم, وهي تذوب وتذوي وتترنح بشدة بتأثير من المجازر المروعة وحملات الخطف والاغتيالات والقتل على الهوية الطائفية , وسيطرة العصابات الطائفية السائبة التي جعلت من الذبح الشامل للمدنيين بل لعوائل كاملة منهجا ودليلا لعملها من أجل إرساء وتقرير واقع طائفي ديموغرافي يدعم خطة التقسيم الشامل المعدة للعراق وإنهاء الدولة المركزية بالكامل , فالتفجيرات المرعبة في أوساط المدنيين قد شلت العراق بالكامل وأعادت إلى الأذهان بقوة ذكريات أيام الحرب الأهلية عامي 2005 و2006 , بل ان تحركات العصابات الطائفية تنذر بأيام سوداء دموية قادمة. تغول الميليشيات الطائفية العراقية وتحولها لجيوش تكتسح معاقل الدولة ذاتها وتحاول فرض رؤاها وسياستها وتطبيق قوانينها , هي من أبرز الملامح التي ميزت حكومة حيدر العبادي التي جاءت بعد فشل سلفه نوري المالكي الذي ضيع بسياسته الفاشلة الخرقاء ثلث أراضي العراق , فيما أجهزت مافيات فساده على تدمير المقومات الاقتصادية للدولة, فبعد تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في مواقع ستراتيجية مهمة في شمال غرب العراق وسيطرته على مراكز ومدن حيوية , خرجت على الملأ العراقي فتوى “الجهاد الكفائي” التي أنتجت ظاهرة الحشد الكفائي التي تحولت بحكم الضرورة وطبائع الأمور غطاء طائفيا شرعياً يحمي ظهر العصابات الطائفية والمذهبية التي جندتها ومولتها ودربتها دوائر الحرس الثوري الإيراني لتقود العمليات العسكرية في العراق ليس كجيش رديف ومساعد للجيش الحكومي, بل أضحى الهدف الرئيسي تكسيح الجيش وإزاحته وتحويل “الحشد” جيشاً عراقياً بديلاً لاينفذ أوامر الحكومة العراقية بل قيادات الحرس الثوري الإيراني. وكانت المفاجأة الكبرى بعد ترؤس هادي العامري قائد “فيلق بدر” التابع للحرس الثوري, الذي يحمل أيضا رتبة عميد في الحرس الثوري, رغم كونه وزيرا سابقا ونائبا برلمانيا حاليا والظهور العلني والصريح للإرهابي الدولي المطلوب للولايات المتحدة ولدولة الكويت جمال جعفر محمد المعروف بأبي مهدي المهندس كنائب لقائد الحشد الشعبي يجتمع علنا مع رئيس الوزراء العراقي العبادي ومع قيادات الدولة, رغم أنه إرهابي ومطلوب دولياً! لكنه يحظى بالدعم والرعاية الإيرانية المباشرة في مشهد غريب ومعقد هوالقمة في السوريالية, إذ أن قوات الحشد تتقدم برياً فيما طائرات سلاح الجو الأميركي تحميها, وهي حالة غير مسبوقة عالميا. هذه الحالة من الفوضى السائدة في العراق مع ترهل الدولة ومفاصلها الحيوية الأمنية والعسكرية كانت لها نتائجها المباشرة في تحول الميليشيات لغول قاتل يلتهم كل عناصر الوحدة الوطنية والسلام الأهلي , فمجزرة فظيعة من طراز مجزرة سجن الخالص التي أعدم فيها 50 شابا ومعتقلا سنيا من قبل عصابات “العصائب” التي يقودها الإرهابي قيس الخزعلي, أحد وجوه الحرس الثوري الإيراني في العراق , هي مقدمة لجرائم تصفيات طائفية واسعة سيكون العراق ساحة لها تمهيدا لإعلان يوم التقسيم القريب. لا أدري أين مسؤولية وزارة الداخلية المسؤولة عن السجون والمعتقلات والتي يقودها أهل الميليشيات الإرهابية الإجرامية ذاتهم الذين يرومون اليوم للسيطرة أيضا على وزارة الدفاع ليكون العراق ملفا مركزيا من ملفات السيطرة الإيرانية المطلقة في الشرق. ما يحصل هوأمر فظيع تجاوز الخطورة منذ زمن طويل, وهو إستهتار فظ بقيم الدولة والمواطنة وتطاول وقح على كل مقومات الدولة والمجتمع المعاصر الحديث, الميليشيات باتت تنفذ أحكام الإعدام وعلى أسس طائفية رثة خارج الإطار الطبيعي والقانوني للدولة العراقية المنهارة, وهي اليوم بصدد تنفيذ سيناريوهات إرهاب جهنمية ستهز العراق وتقلب الطاولة بالكامل على دعاة سيادة الدولة وتؤسس للفوضى الإيرانية المطلوبة, خصوصا أن الإيرانيين يقاتلون اليوم بشراسة في مناطق مختلفة من الشرق للدفاع عن مصالحهم التي هي على وشك الإنهيار التام.. ما حصل في الخالص من اقتحام للسجون وإطلاق سراح مجرميهم وتنفيذ حكم الإعدام التعسفي والإرهابي خارج إطار قانون الدولة وسيادتها وهيبتها , أمر سيتكرر ضمن برنامج تصعيدي للفوضى العراقية تحرص العصابات الطائفية على إقراره من أجل التعجيل بالهيمنة على السلطة وتحويل العراق لقلعة نفوذ طائفية لمكون معين وتحت الحماية الإيرانية المباشرة. كل الطرق مفتوحة اليوم لتدمير العراق وتشظيه , والطريق إلى جهنم العراقية مفروش ببنادق الحشد وشعارات الثأر الطائفي الانتقامية , فبسقوط هيبة الدولة سقطت أشياء كثيرة وأهمها الوحدة الوطنية التي تحولت اسطورة من الماضي السحيق. الهدف الحقيقي لكل عمليات الإرهاب هو إنهاء العراق وإخراجه من المعادلة الدولية والإقليمية تمهيدا لتدشين دول الطوائف والملل والنحل… فهل انتهى العراق فعلا?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً