اراء و أفكـار

المواجهة الواقعية

شامل عبد القادر

صدرَ قرار الكونغرس الأميركي وكان صدمة أخلاقية ونفسية للطبقة الحاكمة في العراق ومناسبة سيئة – للأسف الشديد- لتبادل الاتهامات وتوجيه نقد لاذع وموجع للمكونات الأخرى وكنا نتوقع بدلا من توجيه الاتهامات أن تعقد الحكومة العراقية اجتماعا استثنائيا تناقش فيه القرار الأميركي وتتفق مع وزرائها على بيان مشترك تدين فيه مشروع تقسيم العراق وترفضه، كما كنا نتوقع من البرلمان أن تتوحد كتله ويصدر بيانا موحدا يدين أي مشروع يستهدف وحدة العراق، أو ينشط على تقسيمه بغض النظر عن أي موقف تجاه المشروع الأميركي!
إما أن يصدر بيان سياسي عن البرلمان يمثل التحالف الوطني وحده في إدانة مشروع تقسيم العراق والقرار الأميركي الأخير، ويكتفي النواب السنة والكرد بالانسحاب، بينما كان المفروض عليهم أن يتخذوا موقف النواب الشيعة في رفض مشاريع تقسيم العراق في الأقل من دون أن يحددوا موقفا معينا من القرار الأميركي فلا عتب عليهم!
قال بعض النواب مبررين صدور القرار الأميركي بتسليح الكرد والسنة، هو عدم ثقة الولايات المتحدة بالحكومة العراقية وسقوط مصداقيتها بسبب مواقف عديدة جربت بها وفشلت، منها وجبة كبيرة من السلاح والذخيرة أرسلها الأميركان إلى العراق بناء على اتفاق مع وفد من الموصل زار البيت الأبيض في كانون الأول 2014، وحددت جهات التوزيع منها قوات البيشمركة فلم تسلم الشحنة للكرد وإنما وزعت على قوات الحشد الشعبي – كما قال المصدر- كما لم تحصل المحافظات السنية المحتلة من قبل داعش على حصتها أيضا بموجب الاتفاق الأميركي!!
إننا الآن في مرحلة الاتهامات المتبادلة ومن غرائب الأحداث ومضحكات الأمور في العراق، هو تغير الأدوار بين العرب الشيعة والعرب السنة في التعامل مع الأميركان، فقد أطلقوا في بداية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 تسميات مغايرة للواقع منها “القوات الصديقة!” و”القوات الحليفة!” بينما أطلق عليها العرب السنة بـ”قوات الاحتلال”، وفي عام 2015 أصبح العرب السنة يستغيثون بالأميركان بينما الطرف الآخر يعد المشروع الأميركي أداة للتقسيم!!
بعد صدور القرار الأميركي لم يعلق رئيس الحكومة ولا صدر بيان عن حكومته، بينما ترك رفض القرار للسيد مقتدى الصدر والشيخ قيس الخزعلي.
حتى الآن لا نعرف إن كان تسليم السلاح للبيشمركة والمناطق السنية المحتلة حقيقة أم ابتزاز سياسي للحكومة العراقية، وإضعاف للدور الإيراني في العراق أو تقليصه، لكن عموما عد اغلب السياسيين الشيعة هذا القرار خرقا فاضحا للسيادة الوطنية وأكدوا على أهمية اعتبار سقف الوطنية هو المعيار الصحيح للمواقف السياسية!
لكن السؤال الجوهري: ماذا ستعمل الحكومة إذا ما تم تنفيذ القرار الأميركي؟!
إن ما وصلنا إليه – بصراحة- هو إفرازات طبيعية للمواقف الطائفية المتشنجة والقلقة والخائفة من الأطراف السياسية الأخرى.. قال نائب عراقي في إحدى الفضائيات: إن بعض الجهات التي هاجمت موقف العرب السنة والكرد من القرار الأميركي تعد الوطنية لباسا خاصا على وفق القياس الشيعي، أي أنهم يسوقون لـ”الوطنية الشيعية” لا “الوطنية العراقية”.. وقال نائب آخر: كان ينبغي تعلم الدرس من نظام صدام فقد خسر صدام الحكم وكل شيء لأنه لم يسمع مظالم الشيعة من أبناء وطنه فاضطر الشيعة في الخارج للتعاون مع الذين أسقطوه، واليوم للأسف يكررون خطأ صدام نفسه مع العرب السنة فلا يسمعون مظالمهم.. والتتمة في الحلقة الثانية والأخيرة..

يَجب الاعتراف بوجود إشكالية كبيرة في العلاقة والشراكة بين العرب الشيعة والسنة في العراق، من حيث تعدد المرجعيات الدينية والسياسية بالنسبة للعرب الشيعة، إضافة إلى مواقف التحالف الوطني والإقليمي والمؤثرات الداخلية الضيقة كل هذا يساعد ويسهم في تعتيم العلاقة ويضفي الضبابية على مفهوم الشراكة، ومن ابرز أشكال الإشكالية السياسية هو الخلط بين موقف الحكومة العراقية وموقف تلك المرجعيات السياسية الشيعية، لهذا يبدو العراق محكوما من أكثر من جهة وجبهة ومرجعية سياسية تتجاوز موقف الحكومة وقدرتها وطاقتها!!
يبدو أن هناك “نصيحة!!” أعطيت لرئيس الحكومة الحالي – هذا ما يردده نواب العرب السنة في الإعلام – بعدم تزويد العرب السنة بأي سلاح بأي نوع وبأي شكل من الأشكال، وهي “النصيحة!” المتقاربة مع “نصيحة” مماثلة أخرى قدمت للمالكي والتحالف الوطني في عام 2008 بعدم إشراك العرب السنة والكرد في أية مباحثات تتعلق بالشأن السياسي والعسكري!!
يجب الاعتراف أن العرب السنة هم الذين مكنوا العراق وحققوا نصرا تاريخيا مؤزرا ضد القاعدة وقدموا مئات الشهداء من كبار العلماء والمثقفين والمواطنين العاديين في مناطقهم وغيرها ولها لهم حصة كبيرة في الدم العراقي الطهور مثلما للعرب الشيعة، ولهذا ليس من الإنصاف والوطنية ترويج ما ينتقص من شجاعة أهل الأنبار أو التردد من تسليح عشائر وأهالي المدن السنية، حيث من المفارقات أن العرب السنة امتلكوا أكثر أنواع الأسلحة فتكا بعد عام 2003، عندما لم يكن في حوزة العرب الشيعة فصائل مسلحة ومدربة كما هو الحال اليوم، وإلا كيف قاتل العرب السنة تنظيم القاعدة الوحشي المدرب أفضل تدريب ميدانيا وعالميا آنذاك هل قاتلوا بأسلحة الحكومة؟!
وبغض النظر عن تجاوزات وانحرافات بعض المحسوبين على الحشد الشعبي، فان الغالبية وهم من سكان الجنوب والفرات الأوسط قاتلوا ببسالة نادرة وخضبوا ارض ديالى وتكريت بدمائهم الزكية وهزموا داعش.. والسؤال: لماذا التشكيك بنوايا الحشد الشعبي ولهم شهداء من السماوة والناصرية والبصرة؟! بل لماذا جاؤوا من أقصى المدن والقصبات الشيعية ليموتوا على أراضي العرب السنة؟! هل من أجل أطماع دنيوية أم لتجريف السنة من مناطقهم.. بصراحة لا هذا ولا ذاك بل استجابة لفتوى الجهاد الكفائي.
للأسف بعض رموز العملية السياسية من العرب الشيعة طرحوا بعد القرار الأميركي الأخير معادلة يبدو أنها موجهة للعرب السنة والكرد وهي: هل أنت مع العراق أم ضده؟! وهي تشبه شعار بوش الابن الذي طرحه على معارضيه في شن الحرب على العراق: انتم مع أميركا أم ضدها..!!
لا يجوز بأي حال من الأحوال “تخوين” الشريك والحليف وإلا انتهينا إلى فصم الشراكة وإنهاء التحالف في بيئة تشكيكية ضارة بمستقبل العراق!
تسليح العراق يتم منذ 2005 من مصادر متنوعة وبينها إيران التي تملك حصة الأسد في تسليح الجيش العراق فلم تقوم الدنيا ولا تقعد إذا سلحت أميركا بعض العراقيين؟! وماذا سيحصل لو تم تسليح البيشمركة وعشائر سنية؟! لماذا التخوف من تسليح العراقيين؟ ولماذا لا تتخوف الحكومة من وجود السلاح الفتاك في أيدي “56” ميليشيا شعبية؟!
احد السياسيين المستقلين تساءل بخبث: هل يمثل القرار الأميركي محاولة أميركية لاستئصال النفوذ الإيراني من قلب الحكومة العراقية أم انها صحوة أميركية بعد سنوات من إهمال العراق أو مصداقا للمثل العراقي المعروف “نايم وما يدري المي ماشي من جواه”!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً